النميري
? - 90 هـ / ? - 708 م
1ـ الشاعر :
محمد بن عبد الله بن نمير بن خرشة الثقفي النميري.
لقب النميري بكنية أبيه , ويقال باسم جده , وكان يكنى أبا المير .
شاعر غزل، من شعراء العصر الأموي، مولده ومنشؤه ووفاته في الطائف.
كان كثير التشبيب بزينب أخت الحجاج ، وأرق شعره ما قاله فيها من قصيدته التي مطلعها:
تضوع مسكاً بطن نعمان إذ مشت *** به زينب في نسوة عطرات
وتهدده الحجاج فلم يأبه له النميري.
فلما بلغ الحجاج من الشأن ما بلغ طلب النميري ، ففر إلى اليمن وأقام بعدن مدة .
ثم قصد عبد الملك بن مروان مستجيراً به، فأجاره.
وعفا عنه الحجاج على ألا يعود إلى ما كان عليه.
وله (ديوان شعر - ط).
2 ـ مناسبة القصيدة :
كما مر معك في الترجمة , القصيدة قالها الشاعر في وصف موكب الحج , الذي كانت فيه زينب بنت يوسف بن الحكم بن أبي عقيل , أخت الحجاج بن يوسف لأبيه وأمه , وقيل لأبيه , وتدرج في باب الغزل العفيف .
وإنّ شهرتها بين الناس كان بسبب حسن الوصف , ورقة الشعر , وحلاوة الكلام , وليس بسبب من قيلت فيها , أو بسبب مكانتها الاجتماعية .
أما سبب القصيدة فقد رواه ابن الجوزي في كتابه " أخبار الناس " حيث قال :
" وكان سبب قول النّميري فيها :
إنّ أباها يوسف بن الحكم مرض ، وكان يزيد بن معاوية قد ولاّه صدقات الطّائف وأرض الشّراة ، فنذرت إن الله عافاه أن تمشي إلى الكعبة معتمرةً من الطّائف ، وبين الطّائف ومكّة يومان وليلتان .
فمشت ذلك في اثنين وأربعين يوما ً، وكانت جميلةً وسيمةً فلقيها النّميري ، وهو محمّد بن عبد الله بن نميرٍ الثّقفي ، ببطن نعمان فقال :
تضوّع مسكاً بطن نعمان إذ مشت *** به زينبٌ في نسوةٍ عطرات
تهادين ما بين المحصب من منى *** وأقبلن لا شعثاً ولا غبرات
مررن بفخٍّ رائحاتٍ عشيّةً *** يلبّين للرّحمن مؤتجرات
لها أرج بالعنبر الورد فاغم *** تطلّع رياه من الفترات
( إلى آخر ما ذكر من الأبيات ) ". أهـ
وقد ذكر ابن عبد ربه في كتابه " العقد الفريد " خبرا يكمل القصة سالفة الذكر , وبين قدر هذه القصيدة في الشعر العربي , خصوصا أن من يطلب بعض التفاصيل من الشاعر , و قد ذكرت عموماتها في القصيدة , هو الحجاج بن يوسف , وهو من هو في منزلته باللغة العربية و الاستشهاد بكلامه .
وقد ذكر صلاح الدين الصفدي , أن السائل كان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان , وكلاهما في العربية بمكان .
ويبيّن كذلك ـ كما قلت لك ـ أن احتفاء الناس بها , كان بسبب حسن الوصف , وبلاغة التعبير , وحلاوة الكلام وطلاوته .
قال ابن عبد ربه الأندلسي :
" تحدَثت الرواة أن الحَجاج ، رأى محمدَ بن عبد الله بن نُمير الثقفي ، وكان يُشبّب بزَينب بنت يوسف أخت الحجّاج ، فارتاع مِن نظر الحجّاج إليه.
فدعا به. فلما وقف بين يديه قال:
فِدَاك أبي ضاقت بي الأرضُ رُحْبُها *** وإن كنتُ قد طوّفتُ كُل مَكان
وإن كنتُ بالعنقاء أو بتُخومها *** ظننتك إلا أنْ تَصُد تَراني
فقال له: لا عليك، فوالله إن قُلتَ إلا خيراً، إنما قلت هذا الشعرَ:
يُخبئن أطرافَ البنَان من التُقى *** ويَخْرُجن وسطَ الليل مُعتجرات
ِ
ولكن اخبرني عن قولك:
ولما رأت رَكْب النّميري أعرضت *** وكُنُ من أن يَلقينَه حَذِرات
في كم كنت؟
قال: والله إن كنتُ إلا على حِمار هَزيل، معي رفيق على اتان مثله.
قال: فتبسِّم الحجّاج ولم يَعرض له.
والأبيات التي قالها ابنُ نمير في زَينب بنت يوسف:
ولم تَر عيني مثلَ سِرْب رأيتُه *** خَرَجْن من التَّنْعيم مُعْتمرات
مَرَرْن بفَخِّ ثم رُحن عشيةً *** يُلبِّين لرحمن مُؤْتجرات
تَضوّع مِسْكاً بطنُ نَعمان إذ مَشَتْ *** به زينب في نسْوة خَفِرات . ( إلى آخر ما ذكر من الأبيات ) " .أهـ
أما رواية صاحب الأغاني فقد ذكر أنه :
"
انه هرب النميري من الحجاج إلى عبد الملك واستجار به .
فقال له عبد الملك : أنشدني ما قلتَ في زينب .
فأنشده , فلما انتهى إلى قوله :
ولما رأت ركب النميري أعرضت *** وكن من أن يلقينه حذرات .
قال له عبد الملك: وما كان ركبك يا نميري؟
قال: أربعة أحمرة لي كنت أجلب عليها القطران , وثلاثة أحمرة صحبتني تحمل البعر .
فضحك عبد الملك حتى استغرب ضحكا , ثم قال : لقد عظمت أمر ركبك ، وكتب إلى الحجاج أن لا سبيل لك عليه .
فلما أتاه الكتاب وضعه ولم يقرأه , ثم أقبل على يزيد بن ابي مسلم فقال له :
أنا بريئ من بيعة أمير المؤمنين , لئن لم ينشدني ما قال في زينب لآتين على نفسه , ولئن أنشدني لأعفون عنه , وهو إذا أنشدني آمن .
فقال له يزيد : ويلك ! أنشده .
فأنشده قوله :
تَضوَّعَ مِسكاً بَطنُ نُعمانَ إِذ مَشَت *** بِهِ زينَبٌ في نِسوَةٍ عَطراتِ
فقال : كذبت والله , ماكانت تتعطر إذا خرجت من منزلها .
ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله :
وَلَما رَأَت رَكبَ النَميريِّ راعها *** وَكُنَّ مِن أَن يَلقينَهُ حَذِراتِ
قال له : حق لها أن ترتاع لأنها من نسوة خفرات صالحات .
ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله :
مررن بفخ ّ رائحات عشية *** يلبِّين للرحمن معتمرات
فقال : صدقت , لقد كانت حجّاجة صوّامة ما علمتها .
ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله :
يخمّرن أطراف البنان من التقى *** ويخرجن جنح الليل معتجرات
فقال له : صدقت , هكذا كانت تفعل , وهكذا المرأة الحرة المسلمة .
ثم قال له : ويحك ! إني أرى ارتياعك ارتياع مريب , وقولك قول بريء , وقد امّنتك .
ولم يعرض له ".أهـ
أما ما لقاه محمد بن عبد النميري من المشقة بسبب تشبيبه بزينب أخت الحجاج بن يوسف فقد قرأته في القصة السابقة و ذكر الخبر كذلك ابن الجوزي في كتابه " أخبار النساء " وأنا أذكره هنا تتميما للفائدة وتوضيحا للفكرة .
فقد قال :
" قال مسلم بن جندب الهلالي كنت مع عبد الله بن الزّبير بنعمان وغلام ينشد خلفه، وهو يشتمه أقبح الشّتم.
فقلت له: ما هذا؟ .
فقال: دعه فإني تشبّبت بأخت هذا الحجّاج بن يوسف.
فلمّا قتل الحجّاج عبد الله بن الزّبير دعا النّاس إلى البيعة ، فتأخر محمّد حتّى قام في آخر النّاس ولم يجد من الحضور بدّا ً.
فلمّا دنا منه قال: أمحمّدٌ؟
قال : نعم .
قال: أنشدني ما قلت .
فأنشدته قصيدتي هذه .
فقال : لولا أن يقول قائلٌ لضربت عنقك ، أنج لا نجوت ولا تعد
فقال: لا تعرضت لاسم زينب ما بقيت .
قال ( مسلم بن جندب الهلالي ) : ولما خاف النّميري من الحجّاج عاذ بأبيه يوسف بن الحكم .
فلمّا أرسل عبد الملك الحجّاج لقتال ابن الزّبير، قام إليه يوسف بن الحكم وقال له: يا أمير المؤمنين إنّ فتىً منّا ذكر
زينب بما يذكر به العربيّ ابنة عمّه، وقد علمت أنّ هذا لم يزل يتقلّب عليه .
قال عبد الملك : أليس النّميري؟ .
قال: بلى، قد سمعت شعره فما سمعت مكروهاً .
ثمّ أقبل على الحجّاج . وقال : لا تعرض له.
ويقال إنّ عبد الملك لمّا بلغه شعر النّميري كتب إلى الحجّاج: قد بلغني ما كان من قول النّميري، فلا تدنه فتقطعه، ولا تقصه فتغره. ولكن أهمله واله عنه.
فلم يهجه الحجّاج " . أهـ
ـ أما القصيدة :
فقد تغنى بها المغنون كإبراهم الموصلي , وابن سريج , وطرب لسماعها الملوك والأمراء , واقتبس منها الشعراء فمنهم ابن سارة الأندلسي حيث قال :
عليها فذب إن لم تجدها كآبة *** ودع للسوافي برقة العبرات
وقل حين تمشي في الندى وطيبها *** ينم على أذيالها العطرات
تضوع مسكاً بطن نعمان إن مشت *** به زينب في نسوة خفرات
واستمتع بسماعها المتقون , فهذا سعيد بن المسيب على قدره , فهو صهر أبي هريرة , وسيد التابعين , استلطفها حين سمع أحدا يرددها , فقد زعم ابن حمدون في كتابه التذكر أنه :
" روي أن سعيد ابن المسيب، وهو من العلم بالمكان المشهور، مر في بعض أزقة مكة، فسمع الأخضر الحربي يتغنى في دار العاص بن وائل ، والشعر لمحمد بن عبد الله النميري :
تضوَّعَ مسكا بطنُ نَعمانَ إذ مشتْ *** به زينبٌ في نسوةٍ عطراتِ
فضرب برجله فقال: هذا والله مما يلذ استماعه ثم قال:
وليستْ كأخرى وسَّعتْ جَيْبَ دِرْعِهِا *** وأبدتْ بنانَ الكفِّ للجمراتِ
وَعَلَّتْ بنانَ المسكِ وَحْفا مُرَجَّلا *** على مثلِ بدرٍ لاح في الظلماتِ
وقامت تراءى يومَ جمعٍ فأفتنت *** برؤيتها من راح من عرفاتِ
فكانوا يرون أن هذا الشعر لسعيد بن المسيب ".أهـ
والخبر كذلك ذكره ابو علي القالي في أماليه وقال ـ في آخره ـ :
" فكانوا يرون أن الشعر الثاني لسعيد بن المسيب "
3 ـ القصيدة :
تَضوَّعَ مِسكاً بَطنُ نُعمانَ إِن مَشَت *** بِهِ زينَبٌ في نِسوَةٍ عَطراتِ
فَأَصبَحَ ما بَينَ الهَماءِ فَحُزوَةً *** إِلى الماءِ ماءَ الجَزعِ ذي العَشَراتِ
لَهُ أَرَجٌ مِن مَجمَرِ الهِندِ ساطِعٌ *** تَطلَّعُ رَيَّاهُ مِنَ الكَفراتِ
تَهادينَ ما بَينَ المُحَصَّبِ مِن مِنىً *** وَأقبَلنَ لا شُعثاً وَلا غَبِراتِ
أَعانَ الَّذي فَوقَ السَماواتِ عَرشَهُ *** مَواشيَ بِالبِطحاءِ مُؤتَجَراتِ
مَرَرنَ بَفَخٍّ ثُمَّ رُحنَ عَشِيَّةً *** يُلَبَّينَ لِلرَّحمنِ مُعتَمَراتِ
يُخبِّئنَ أَطرافَ البَنانِ مِنَ التُقى *** وَيَقتُلنَ بِالأَلحاظِ مُقتَدَراتِ
وَلَيسَت كَأُخرى أَوسَعَت جَنبَ دِرعِها *** وَأَبدَت بَنانَ الكَفِّ لِلجَمراتِ
وَغالَت بِبانِ المِسكِ وَحَفا مُرَجَّلا *** عَلى مِثلِ بَدرٍ لاحَ بِالظُلُماتِ
وَقامَت تَراءى بَينَ جَمعٍ فأفَتَنَت *** بِرُؤيَتِها مَن راحَ مِن عَرَفاتِ
تَقَسَّمنَ لُبِّي يَومَ نُعمانَ أَنَّني *** بُليتُ بِطَرفٍ فاتِكِ اللَحظاتِ
جَلونَ وُجوهاً لَم تَلُحها سَمائِمٌ *** حَرورٌ وَلَم يَسفَعنَ بِالمُسبراتِ
يُظاهِرنَ أستاراً وَدوراً كَثيرَةً *** وَيَقطَعنَ دورَ اللَهوِ بِالحُجراتِ
وَلَما رَأَت رَكبَ النَميريِّ أَعرَضَت *** وَكُنَّ مِن أَن يَلقينَهُ حَذِراتِ
فَأَدنينَ حَتّى جوَّزَ الرَكبُ دونَها *** حِجاباً مِن القَسِّيِّ وَالحَبَراتِ
دَعَت نِسوَةٌ شَمَّ العَرانينِ كَالدمى *** أَوانِسَ مَلءَ العَينِ كَالظَبياتِ
فَأَبدَينَ لَمَّا قُمنَ يَحجِبنَ زَينَباً *** بُطوناً لِطافَ الطَيِّ مَضطَّمِراتِ
فَقُلتُ يُعافيرَ الظِباءِ تَناوَلَت *** نِياعَ غُصونِ الوَردِ مُهتَصِراتِ
فَلَم تَرَ عَيني مِثلَ رَكبٍ رَأَيتُهُ *** خَرَجنَ مِنَ التَنعيمِ مُعتَجِراتِ
وَكِدتُ اِشتِياقا نَحوَها وَصَبابَةً *** تَقطَّعُ نَفسي إِثرَها حَسَراتِ
وَغادَرَتُ مِن جَدّى بِزينَبَ غَمرَةً *** مِنَ الحُبِّ إنَّ الحُبَّ ذو غَمَراتِ
وَظَلَّ صِحابي يُظهَرونَ مَلامَتي *** عَلى لَوعَةِ الأَشواقِ وَالزَفراتِ
فَراجَعَتُ نَفسي وَالحَفيظَة إِنَّما *** بَلَلتُ رِداءَ العَصبِ بِالعَبراتِ
وَقَد كانَ في عِصيانيَ النَفسَ زاجِرٌ *** لِذي عِبرَةٍ لَو كُنَّ مُعتَبِراتِ
ـ المراجع :
ـ أخبار النساء : ابن الجوزي .
ـ الأغاني : الأصفهاني .
ـ الأمالي : أبو على القالي .
ـ التذكرة الحمدونية : ابن حمدون .
ـ العقد الفريد : ابن عبد ربه الأندلسي .
ـ الموسوعة الشعرية : المجع الثقافي 2003.
ـ موسوعة الشعر العربي : مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم : الإصدار الأول .
ـ الوافي بالوفيات : صلاح الدين الصفدي .