الفَرَزدَق
38 - 110 هـ / 658 - 728 م
ـ الشاعر :
همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس.
شاعر من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة , فقد حفظ شعره كثيرا من ألفاظ اللغة العربية ومادتها , التي قلّ استعمالها في زمنه .
قال يونس بن حبيب : " لولا شعر الفرزدق لذهب نصف أخبار الناس " .
لأنه كان ينظم أخبار العرب وتاريخهم شعرا , لذا قال الجاحظ في " البيان والتبيين ":" راوية الناس وشاعرهم وصاحب أخبارهم ".
وكان أبو عمرو بن العلاء يشبه الفرزدق بزهير بن أبي سلمى , وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى ، زهير في الجاهليين ، والفرزدق في الإسلاميين .
وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل ، ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر .
كان شريفاً في قومه، عزيز الجانب، يحمي من يستجير بقبر أبيه.
لقب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه.
وتوفي في بادية البصرة، وقد قارب المئة
ـ مناسبة القصيدة :
القصيدة من أحسن ما قيل في المدح قال ابن عبد البر :" ومن أحسن ما قيل في المدح , وإن كان الحسن منه كثيرا جدا " , ثم ذكر القصة وبعض القصيدة.
وهي من المناقب التي تعد في صفحة الفرزدق إن لم تكن أجلها , فكلنا يتعصب لآل ذلك البيت التي قيلت فيه , ويرجو الأجر من الله في الدفاع عنه , ويعتقد أن حبهم زلفى تقرب إلى الجنة وتبعد عن النار , لذا قال ابن خلكان في ترجمة الفرزدق :" وتنسب إليه مكرمة يرجى له بها الجنة ", ثم ذكر القصة وبعض القصيدة هو كذلك .
أما القصة فقد ذكرها كثيرون , وهي أشهر من نار على علم , من الذين رووها الأصبهاني في كتابه " الأغاني " القصة , وقد ذكرها الإتليدي في كتابه " إعلام الناس بما وقع للبرامكة " , مع اختلاف قليل في قصتيهما , جمعت بين روايتيهما لها :
" حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه للخلافة , وقيل في خلافة أخيه ، ومعه رؤساء أهل الشام ، فلما طاف بالبيت جهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس ، فنُصِب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس .
وبينما هو كذلك , أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين , وهو أحسن الناس وجها ً، وأنظفهم ثوبا ً، وأطيبهم رائحة ، فطاف بالبيت ، فلما بلغ الحجر الأسود , تنحى الناس كلهم وأخلوا له الحجر ليستلمه ، هيبة وإجلالاً له .
فغاظ ذلك هشاماً وبلغ منه .
فقال رجل من أهل الشام لهشام : من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة , أصلح الله الأمير؟ .
قال: لا أعرفه , وكان به عارفا ً، ولكنه خاف أن يرغب فيه أهل الشام ويسمعوا منه .
فقال الفرزدق ـ وكان لذلك كله حاضرا ـ ً: أنا ـ والله ـ أعرفه ، فسلني يا شامي .
فقال الشامي : ومن هو يا أبا فراس ؟
فقال الفرزدق :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم . إلى آخر القصيدة .
فحبسه هشام , بعسفان بين مكة والمدينة , فقال الفرزدق:
أيحبسني بين المدينة والتي *** إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلب أساً لم يكن رأس سيدٍ *** وعيناً له حولاء باد عيوبها
فبعث إليه هشام فأخرجه .
ووجه إليه علي بن الحسين عشرة آلاف درهم , وقيل اثني عشر ألف درهم , وقال : اعذر أبا فراس ، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به .
فردها وقال : ما قلت ما كان إلا لله ، وما كنت لأرزأ عليه شيئا ً.
فقال له زين العابدين علي : قد رأى الله مكانك فشكرك ، ولكنا أهل بيت إذا أنفذنا شيئاً , ما نرجع فيه .
فأقسم عليه فقبلها ". انتهى بتصرف .
وهشام فهو الخليفة الأموي هشام ابن عبد الملك , تولي الخلافة بعد أخيه يزيد ابن عبد الملك سنة 105 هجرية , ودام ملكه عشرين سنة , كان هشام من أعقل بني أمية , توفي سنة 125 هجرية .
ـ القصيدة:
هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ *** وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ *** هَذا التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ
هَذا اِبنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ *** بِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا
وَلَيسَ قَولُكَ مَن هَذا بِضائِرِهِ *** العُربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ
كِلتا يَدَيهِ غِياثٌ عَمَّ نَفعُهُما *** يُستَوكَفانِ وَلا يَعروهُما عَدَمُ
سَهلُ الخَليقَةِ لا تُخشى بَوادِرُهُ *** يَزينُهُ اِثنانِ حُسنُ الخَلقِ وَالشِيَمُ
حَمّالُ أَثقالِ أَقوامٍ إِذا اِفتُدِحوا *** حُلوُ الشَمائِلِ تَحلو عِندَهُ نَعَمُ
ما قالَ لا قَطُّ إِلّا في تَشَهُّدِهِ *** لَولا التَشَهُّدُ كانَت لاءَهُ نَعَمُ
عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإِحسانِ فَاِنقَشَعَت *** عَنها الغَياهِبُ وَالإِملاقُ وَالعَدَمُ
إِذا رَأَتهُ قُرَيشٌ قالَ قائِلُها *** إِلى مَكارِمِ هَذا يَنتَهي الكَرَمُ
يُغضي حَياءً وَيُغضى مِن مَهابَتِهِ *** فَما يُكَلَّمُ إِلّا حينَ يَبتَسِمُ
بِكَفِّهِ خَيزُرانٌ ريحُهُ عَبِقٌ *** مِن كَفِّ أَروَعَ في عِرنينِهِ شَمَمُ
يَكادُ يُمسِكُهُ عِرفانُ راحَتِهِ *** رُكنُ الحَطيمِ إِذا ما جاءَ يَستَلِمُ
اللَهُ شَرَّفَهُ قِدماً وَعَظَّمَهُ *** جَرى بِذاكَ لَهُ في لَوحِهِ القَلَمُ
أَيُّ الخَلائِقِ لَيسَت في رِقابِهِمُ *** لَأَوَّلِيَّةِ هَذا أَو لَهُ نِعَمُ
مَن يَشكُرِ اللَهَ يَشكُر أَوَّلِيَّةَ ذا *** فَالدينُ مِن بَيتِ هَذا نالَهُ الأُمَمُ
يُنمى إِلى ذُروَةِ الدينِ الَّتي قَصُرَت *** عَنها الأَكُفُّ وَعَن إِدراكِها القَدَمُ
مَن جَدُّهُ دانَ فَضلُ الأَنبِياءِ لَهُ *** وَفَضلُ أُمَّتِهِ دانَت لَهُ الأُمَمُ
مُشتَقَّةٌ مِن رَسولِ اللَهِ نَبعَتُهُ *** وَفَضلُ أُمَّتِهِ دانَت لَهُ الأُمَمُ
يَنشَقُّ ثَوبُ الدُجى عَن نورِ غُرَّتِهِ *** كَالشَمسِ تَنجابُ عَن إِشراقِها الظُلَمُ
مِن مَعشَرٍ حُبُّهُم دينٌ وَبُغضُهُمُ *** كُفرٌ وَقُربُهُمُ مُنجىً وَمُعتَصَمُ
مُقَدَّمٌ بَعدَ ذِكرِ اللَهِ ذِكرُهُمُ *** في كُلِّ بِدءٍ وَمَختومٌ بِهِ الكَلِمُ
إِن عُدَّ أَهلُ التُقى كانوا أَئمَّتَهُم *** أَو قيلَ مَن خَيرُ أَهلِ الأَرضِ قيلَ هُمُ
لا يَستَطيعُ جَوادٌ بَعدَ جودِهِمُ *** وَلا يُدانيهِمُ قَومٌ وَإِن كَرُموا
هُمُ الغُيوثُ إِذا ما أَزمَةٌ أَزَمَت *** وَالأُسدُ أُسدُ الشَرى وَالبَأسُ مُحتَدِمُ
لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً مِن أَكُفِّهِمُ *** سِيّانِ ذَلِكَ إِن أَثرَوا وَإِن عَدِموا
يُستَدفَعُ الشَرُّ وَالبَلوى بِحُبِّهِمُ *** وَيُستَرَبُّ بِهِ الإِحسانُ وَالنِعَمُ
ـ المراجع:
ـ طبقات فحول الشعراء : ابن سلام الجمحي .
ـ البيان والتبيين : أبو بحر عثمان الجاحظ
ـ بهجة المَجالس وأنس المُجالس وثمن الذاهن والهاجس : ابن عبد البر القرطبي .
ـ وفيات الأعيان وأنباء أهل الزمان : ابن خلكان .
ـ الأغاني : الأصبهاني .
ـ إعلام الناس بما وقع للبرامكة : ألإتليدي .
ـ الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي : المعافى بن زكريا .
ـ دروس في التاريخ: الشيخ محمد الخضري بك
ـ الموسوعة الإلكترونية الشعرية : المجمع الثقافي 2003