بَشّارِ بنِ بُرد
95 - 167 هـ / 713 - 783 م
ـ الشاعر :
أبو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي ، .
الملقب بالمرعث " والمرعث : الذي جعل في أذنيه الرِّعاث , وهي القِرَطَة ".
كان جده يرجوخ من سبي المهلب بن أبي صفرة .
وهو عقيلي بالولاء , ونسبته إلى امرأة عقيلية قيل أنها أعتقته من الرق.
أصله من طخارستان غرب نهري جيحون , نشأ في البصرة وأقام مدة ببغداد .
قال الأصمعي :
" ولد بشار أعمى فما نظر للدنيا قط , وكان يُشبِّه الأشياء بعضها ببعض , فيأتي بما لا يقدر البصراء أن يأتوا بمثله ".أهـ
وقال أيضا:
" كان بشار ظخما , عظيم الخَلق والوجه , مجدورا , جاحظ المقلتين قد تغشاهما لحم أحمر , فكان أقبح الناس عمى , وأفظعه منظرا , وكان إذا أراد أن ينشد صفق بيديه وتنحنح , وبصق يمينه وشماله , ثم ينشد فيأتي بالعجب ".أهـ
قال ابن كثير :
" قال الشعر وهو دون عشر سنين , وله التشبيهات التي لم يهتد إليها البصراء , وقد أثنى عليه الأصمعي والجاحظ وأبو تمام وأبو عبيدة ".أهـ
ـ منزلة بشار بين الشعراء :
قال غيلان الشعوبي فيما ينقله عن صاحب الأغاني :
" ومحله في الشعر , وتقدمه طبقات المُحدَثين فيه بإجماع الرواة , ورياسته عليهم من غير اختلاف في ذلك , يغني عن وصفه وإطالة ذكر محله , وهو من مخضرمي شعراء الدولتين العباسية والأموية , قد شهر فيهما ومدح وهجا , وأخذ سني الجوائز مع الشعراء ".أهـ
بشار أشعر المولدين على الإطلاق ، وشعره كثير متفرق من الطبقة الأولى ، جمع بعضه في ديوان .
ـ قصة وفاة بشار بن برد
قد اتهم بالزندقة فمات ضرباً بالسياط ، ودفن بالبصرة , قال ابن كثير :
" كان بشار يمدح المهدي , حتى وشى إليه الوزير أنه هجاه وقذفه , ونسبه إلى شيء من الزندقة , وأنه يقول بتفضيل النار على التراب , وعذر إبليس في السجود لآدم , وأنه أنه أنشد :
اأرض مضلمة والنار مشرقة *** والنار معبودة مذ كانت النار
فأمر المهدي فضربه حتى مات , ويقال أنه غرق ثم نقل إلى البصر ".
وكان هلاكه سنة سبع وستين ومائة , وأما عمره فقد قيل أنه بلغ التسعين وهو قول الذهبي في سير أعلام النبلاء أما الأصفهاني فقد ذكر أنه بلغ نيفا وسبعين سنة ـ وهذا في أكثر مخطوطات كتاب الأغاني ـ, أما في نسخة فقد ذكر أنه بلغ التسعين كذلك , والله أعلم بالصواب .
ـ مناسبة القصيدة :
إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال:
" كانت بالبصرة لرجل من آل سليمان بن علي جارية، وكانت محسنة بارعة الظرف والجمال ، وكان بشار بن برد صديقاً لمولاها ومداحاً له ،
فحضر مجلسه والجارية نغنيهم، فشرب مولاها وسكر ونام ونهض للانصراف من كان
بالحضرة، فقالت الجارية لبشار: أحب أن نذكر مجلسنا هذا في قصيدة مليحة وترسل بها
إلي على ألا تذكر فيها اسمي واسم سيدي، فقال بشار وبعث بها مع رسوله إليها:
وذات دل كأن الشمس صورتها باتت تغني عميد القلب سكرانا . ( إلى آخر القصيدة )".
والقصة قد ذكرها غير واحد من أهل العلم , والكل يعزوها إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي , وإبراهيم الموصلي هو الملحن والمغني المشهور بالدولة العباسية .
أما الأصفهاني في أغانيه فقد ذكر القصة مع اختلاف خفيف وزيادة في الخبر فقال :
" قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
كانت بالبصرة قينة لبعض ولد سليمان بن علي ، وكانت محسنة بارعة الظرف، وكان بشار صديقاً لسيدها ومداحاً له ، فحضر مجلسه يوماً والجارية تغني ؛ فسر بحضوره وشرب حتى سكر ونام ، ونهض بشار .
فقالت: يا أبا معاذ ، أحب أن أتذكر يومنا هذا في قصيدة , ولا تذكر فيها اسمي ولا اسم سيدي وتكتب بها إليه .
فانصرف وكتب إليه:
وذات دل كأن البدر صورتها باتت تغني عميد القلب سكرانا ( إلى آخر القصيدة )
ووجه بالأبيات إليها ، فبعث إليه سيدها بألفي دينار وسر بها سروراً شديدا ً ". أهـ
وكأن بشارا لقوة أحد الأبيات وحسنه , وهو مذكور في القصيدة , قد قاله في حادثة أخرى , وهي ما ذكرها الأصفهاني فيما يرويه عن الأصمعي أنه " قال:
كان لبشارمجلس يجلس فيه يقال له البردان ، وكان النساء يحضرنه فيه ، فينما هو ذات يوم في مجلسه إذ سمع كلام امرأة في المجلس فعشقها ، فدعا غلامه فقال : إذا تكلمت المرأة عرفتك فاعرفها ، فإذا انصرفت من المجلس فاتبعها وكلمها وأعلمها أني لها محب .
وقال فيها:
ياقوم أذني لبعض الحي عاشقة *** والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا: بمن لاترى تهذي. فقلت لهم *** الأذن كالعين توفي القلب ما كانا
هل من دواء لمشغوف بجارية *** يلقى بلقيانها روحا وريحانا ".أهـ
فقول بشار :
ياقوم أذني لبعض الحي عاشقة *** والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قد سحر العلماء , وكان لوقعه عليهم مكانة خاصة , قال الثعالبي في كتابه " اللطف و اللطائف ":
" ولم أسمع في عشق الآذان أحسن من قوله ولا أظرف :
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة *** والأذن تعشق قبل العين أحيانا ". اهـ
حتى أن الشعراء من حلاوة البيت وطلاوته اقتبست منه قبسة , فأوردوه بلفظه في أشعارهم , و بعضهم استعمل معناه وهذا أبو تمام مع قدره في الشعر , " حكي أنه سمع جارية تغني بالفارسية فشجاه صوتها فقال :
ولم أفهم معانيها ولكن *** شجت قلبي فلم أحمل شجاها
فكنت كأنني أعمى معنى *** يحب الغانيات ولا يراها
قال ابن طاهر قلت لأبي تمام : أخذت هذا المعنى من أحد .
فقال: نعم من قول بشار:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة *** والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا لمن لا ترى تهوى فقلت لهم *** الأذن كالعين توفي القلب ما كانا ".
أما من اقتبس اللفظ والمعنى معا , فكما فعل شمس الدين محمد بن ابراهيم الحلبي , المعروف بابن الحنبلي , حيث استعمل عَجُز هذا البيت لبشار , ليوصل مراده للسامع , فقال
كنا سمِعنا بأوصافٍ كمُلْتَ بها *** فسَرَّنا ما سمعِناه وأحْيَانَا
مِن قبل رؤيِتكْم نلْنَا محبَّتَكُم *** والأذْنُ تعشَقُ قبل العْينِ أحْيانَا
عن حماد بن إسحاق قال:
" كان مروان بن أبي حفصة ( الشاعر الغني عن التعريف ) يجيء إلى جدي إبراهيم ( الموصلي ) ، فإذا تغدى قال: قد أطعمتمونا طيبا ً، فأطعموا آذاننا حسنا ً ".
ـ القصيدة :
وَذاتُ دَلٍّ كَأَنَّ البَدرَ صورَتُها *** باتَت تُغَنّي عَميدَ القَلبِ سَكرانا
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ *** قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ قَتلانا
فَقُلتُ أَحسَنتِ يا سُؤلي وَيا أَمَلي *** فَأَسمِعيني جَزاكِ اللَهُ إِحسانا
يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ *** وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا
قالَت فَهَلّا فَدَتكَ النَفسُ أَحسَنَ مِن *** هَذا لِمَن كانَ صَبَّ القَلبِ حَيرانا
يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ *** وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا
فَقُلتُ أَحسَنتِ أَنتِ الشَمسُ طالِعَةٌ *** أَضرَمتِ في القَلبِ وَالأَحشاءِ نيرانا
فَأَسمِعينِيَ صَوتاً مُطرِباً هَزَجاً *** يَزيدُ صَبّاً مُحِبّاً فيكِ أَشجانا
يا لَيتَني كُنتُ تُفّاحاً مُفَلَّجَةً *** أَو كُنتُ مِن قُضَبِ الرَيحانِ رَيحانا
حَتّى إِذا وَجَدَت ريحي فَأَعجَبَها *** وَنَحنُ في خَلوَةٍ مُثِّلتُ إِنسانا
فَحَرَّكَت عودَها ثُمَّ اِنثَنَت طَرَباً *** تَشدو بِهِ ثُمَّ لا تُخفيهِ كِتمانا
أَصبحتُ أَطوَعَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ *** لأَكثَرِ الخَلقِ لي في الحُبِّ عِصيانا
فَقُلتُ أَطرَبتِنا يا زَينَ مِجلِسِنا *** فَهاتِ إِنَّكِ بِالإِحسانِ أَولانا
لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّ الحُبَّ يَقتُلُني *** أَعدَدتُ لي قَبلَ أَن أَلقاكِ أَكفانا
فَغَنَّتِ الشَربَ صَوتاً مُؤنِقاً رَمَلاً *** يُذكي السُرورَ وَيُبكي العَينَ أَلوانا
لا يَقتُلُ اللَهُ مَن دامَت مَوَدَّتُهُ *** وَاللَهُ يَقتُلُ أَهلَ الغَدرِ أَحيانا
لا تَعذِلوني فَإِنّي مِن تَذَكُّرِها *** نَشوانُ هَل يَعذِلُ الصاحونَ نَشوانا
ـ المراجع :
ـ البداية والنهاية : ابن كثير .
ـ ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا : شهاب الدين الخفاجي .
ـ سير أعلام النبلاء : الذهبي .
ـ اللطف واللطائف : أبو منصور الثعالبي .
ـ الموسوعة الإليكترونية الشعرية: المجمع الثقافي2003