كَعبِ بنِ زُهَير
? - 26 هـ / ? - 646 م
ـ الشاعر :
كعب بن زهير بن أبي سلمى ، المازني ، أبو المضرَّب .
شاعر عالي الطبقة ، من أهل نجد ، كان ممن اشتهر في الجاهلية .
وهو من أعرق الناس في الشعر: أبوه زهير بن أبي سلمى، وأخوه بجير وابنه عقبة وحفيده العوّام كلهم شعراء.
وقد كَثُر مخمّسو لاميته ومشطّروها وترجمت إلى غير العربية.
ـ مناسبة القصيدة:
ذكر أبو أحمد العسكري في كتابه المصون في الأدب عمن ينقل عنه أنه قال :
" خرج كعبٌ وبجير ابنا زهير حتّى أتيا أبرق العزّاف .
فقال بجيرٌ لكعب : اثبت في غنمنا هذا , حتّى نأتي هذا الرجل ـ يعني رسول الله صلى الله عليه ـ فأسمع ما يقول .
فثبت كعبٌ , وجاء بجير إلى النبي عليه السّلام فأسلم ، وبلغ ذلك كعباً فقال :
ألا أبلغا منّي بجيراً رسالة*** على أيّ شيء ويب غيرك دلَّكا
على خلقٍ لم تُلفِ أُمّاً ولا أَباً *** عليه، ولم تدركْ عليه أخاً لكا
سقاك أَبو بكرٍ بكأْسٍ رويّةِ *** وأنهلَكَ المأْمور منها وعلَّكا
فخالفت أسبابَ الهدى وتبعته *** فهل لك فيما قلتُ بالخَيْف هل لكا
فبلغ ذلك النبيّ عليه السلام فأهدر دمه ، فكتب بذلك بُجير إلى أخيه ويقول له : أسلم فإن النبي صلى الله عليه لم يأته أحدٌ يشهد ألاّ إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله إلا قبل منه , وأسقط ما كان من قبل , فأسلم كعبٌ وأقبل َ.
قال: كعبٌ: فأنخت راحلتي بباب المسجد ودخلت ، فعرفت النبي صلى الله عليه بالصفة ، فتخطّيتُ حتى جلستُ إليه فأسلمتُ وقلت : الأمانَ يا رسول ال له . قال: ومن أنت ؟ قلت: كعب بن زهير . قال: الذي يقول .
ثم التفت إلى أبي بكر فأنشده الأبيات . فقلت: يا رسول الله ما هكذا قلت، إنّما قلت:
سقاك أبو بكرٍ بكأْس رويّة *** وأنهلكَ المأْمونُ منها وعلَّكا
قال: مأمونٌ والله .
ثم أنشده :
بانت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ *** متيّمٌ إثرها لم يفد مكبولُ . إلى آخر القصيدة
وأنشده إياها في مسجد المدينة، فلما بلغ قوله :
إنَّ الرسولَ لسيفٌ يُستضاءُ به *** مهنَّدٌ من سيوف الله مسلولُ
أشار رسول الله صلى الله عليه , إلى الخلق : أن اسمعوا
وحدّثنا غيره عن محمد بن سلاّم فقال فيه: فوهب له النبي صلى الله عليه بردة، فتوارثها
ولده، فهي التي في أيدي بني العباس اليومَ " انتهى بتصرف .
قال ابن قتيبة في الشعر والشعراء :
" فكساه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بردة , أشتراها معاوية ( من ولده) بعد ذلك بعشرين ألف درهم , وهي التي يلبسها الخلفاء في العيد , زعم ذلك أبان بن عثمان بن عفان " انتهى بتصرف .
وفي عهد الدولة العثمانية قيل أن ولاة بني عثمان توارثوها كذلك , وهي الآن معروضة بتركيا مع بعض حاجيات النبي صلى الله عليه وسلم , هذا إذا صح الخبر .
وفي بعض تفاصيل القصة اختلاف من ناقل إلى آخر , فمثلا ابن هشام ذكر فيما ينقله عن ابن إسحاق في " السيرة النبوية " تحت عنوان " أمر كعب بن زهير بعد الانصراف عن الطائف " , فقال :
" ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف , كتب بجير بن زهير بن أبي سُلمى إلى أخيه بن زهير , يخبره أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قتل رجالاً بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه , وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب , قد هربوا في كل وجه , فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً , وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض .
وكان كعب بن زهير قد قال :
ألا أبلغا عني بجيراً رسالة *** فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا؟
فبين لنا إن كنت لست بفاعل *** على أي شيء غير ذلك دلكا
على خلق لم ألف يوماً أباً له *** عليه وما تلفي عليه أباً لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف *** ولا قائل إما عثرت: لعاً لكا
سقاك بها المأمون كأساً روية *** فأنهلك المأمون منها وعلكا
وعن غير ابن إسحاق , فأنشدني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه :
من مبلغ عني بجيراً رسالة *** فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا
شربت مع المأمون كأساً روية *** فأنهلك المأمون منها وعلكا
وخالفت أسباب الهدى واتبعته *** على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلق لم تلف أماً ولا أباً *** عليه ولم تدرك عليه أخاً لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف *** ولا قائل إما عثرت: لعاً لكا
قال: وبعث بها إلى بجير .
فلما أتت يجيراً كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنشده إياها .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم , لما سمع سقاك بها المأمون : صدق وإنه لكذوب , أنا المأمون .
ولما سمع : "على خلق لم تلف أماً ولا أباً عليه" , قال : أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه .
ثم قال بجير لكعب:
من مبلغ كعباً فهل لك في التي *** تلوم عليها باطلاً وهي أحزم
إلى الله لا العزى ولا اللات وحده *** فتنجوا إذا كان النجاء وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت *** من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه *** ودين أبي سلمى علي محرم
قال ابن إسحاق : فلما بلغ كعباً الكتاب ضاقت به الأرض , وأشفق على نفسه , وأرجف به من كان في حاضره من عدوه , فقالوا: هو مقتول .
فلما لم يجد من شيء بداً قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه .
ثم خرج حتى قدم المدينة , فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة كما ذكِر لي , فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح , فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه .
فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه فوضع يده في يده , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا يعرفه .
فقال : يا رسول الله إن كعب بن زهير , قد جاء ليستأمن منك , تائباً مسلماً , فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم
قال : أنا يا رسول الله , كعب بن زهير .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أنه وثب عليه رجل من الأنصار , فقال : يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعه عنك , فإنه قد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه .
قال فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار لما صنع به صاحبهم , وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير .
فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول *** متيم إثرها لم يفد مكبول . ( إلى آخر القصيدة )
قال ابن هشام: قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال : أنشدها كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد:
". انتهى بتصرف
وقد ذكر غير واحد كابن قتيبة في الشعر والشعراء , أن ذلك الرجل كان أبو بكر الصديق , وأنه هو الذي استجاره , فقبل النبي صلى الله عليه وسلم إجارته .
وزاد بعضهم أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم , ويشبب بنساء المسلمين فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه .
ـ القصيدة:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ *** مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا *** إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً *** لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت *** كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت *** ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها *** فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ
فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها *** كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ
وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت *** إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً *** وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت *** إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ
أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها *** إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ
يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم *** إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ
وَقالَ كُلّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ *** لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ
فَقُلتُ خَلّوا طَريقي لا أَبا لَكُمُ *** فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ *** يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني *** وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ الـ *** قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم *** أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً *** جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ
حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ *** في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ
لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ *** وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ
إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ *** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم *** بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا
زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ *** عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ
شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ *** مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ *** كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ
يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم *** ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ
لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ *** قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا
لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ *** ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ
ـ المراجع :
ـ السيرة النبوية : ابن هشام .
ـ المصون في الأدب : أبو أحمد العسكري .
ـ الشعر والشعراء: ابن قتيبة الدينوري .
ـ الموسوعة الإلكترونية الشعرية : المجمع الثقافي 2003.