ـ الشاعر :
ابن زريق البغدادي
? - 420 هـ / ? - 1029 م
أبو الحسن علي (أبو عبد الله) بن زريق الكاتب البغدادي.
انتقل إلى الأندلس وقيل إنه توفي فيها.
ـ مناسبة القصيدة:
زعموا أنه هوي جارية فطلبها من أبيها , فأغلى الأب مهرها , وكان ابن زريق لا يقدر على المهر لقلة ماله , فعزم السفر ليجمع المال لمهر حبيبته , وعندها قصد الأندلس .
وذكر السرّاج القارئ في كتابه مصارع العشاق , تحت عنوان ( فراقية ابن زريق ) , عمن ينقل عنه أنه قال:
" حدثني بعض أصدقائي أن رجلاً من أهل بغداد , قصد أبا عبد الرحمن الأندلسي وتقرب إليه بنسبه، فأراد أبو عبد الرحمن أن يبلوه ويختبره، فأعطاه شيئاً نزراً .
فقال البغدادي: إنا لله وإنا إليه راجعون! ، سلكت البراري والبحار والمهامه والقفار إلى هذا الرجل ، فأعطاني
هذا العطاء النزر؟ فانكسرت إليه نفسه واعتل فمات.
وشغل عنه الأندلسي أياماً ، ثم سأل عنه فخرجوا يطلبونه ، فانتهوا إلى الخان الذي كان فيه وسألوا الخانية عنه، فقالت: إنه كان في هذا البيت ، ومذ أمس لم أره ، فصعدوا فدفعوا الباب ، فإذا بالرجل ميتا ً، وعند رأسه رقعة فيها مكتوب:
لا تَعْذُليهِ، فإنّ العَذلَ يولِعُهُ قد قلتِ حقّاً، ولكن ليس يسمعُهُ.( إلى آخر القصيدة )
فلما وقف أبو عبد الرحمن على هذه الأبيات بكى حتى اخضلت لحيته .
وقال: وددت أن هذا الرجل حي وأشاطره نصف ملكي .
وكان في رقعة الرجل: منزلي ببغداد في الموضع المعروف بكذا، والقوم يعرفون بكذا، فحمل إليهم خمسة آلاف دينار وسفتجة ، وحصلت في يد القوم وعرّفهم موت الرجل .
السُفتَجة : أن تعطي مالا إلى آخر , وفي بلد المعطي مالا للآخذ .
ـ القصيدة :
لا تعذليه فإن العذل يولعه *** قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
جاوزت في لومه حداً أضر به *** من حيث قدرت أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً *** من عذله فهو مضنى القلب موجعه
قد كان مضطلعاً بالخطب يحمله *** فضلعت من خطوب الدهر أضلعه
يكفيه من لوعة التفنيد أن له *** من النوى كل يوم ما يروعه
ما آب من سفر إلا وأزعجه *** رأي إلى سفر بالبين يجمعه
تأبى المطالب إلا أن تجشمه *** للرزق كدحاً وكم ممن يودعه
كأنما هو من حل ومرتحل *** موكل بفضاء الأرض يذرعه
إن الزمان أراه في الرحيل غنى *** ولو إلى السد أضحى وهو يزمعه
وما مجاهدة الإنسان واصلة *** رزقاً ولا دعة الإنسان تقطعه
قد وزع الله بين الخلق رزقهم *** لم يخلق الله من خلق يضيعه
لكنهم كلفوا حرصاً فلست ترى *** مسترزقاً وسوى الغايات تقنعه
والحرص في الرزق والأرزاق قد قسمت*** بغي ألا إن بغي المرء يصرعه
والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه *** إرثاً ويمنعه من حيث يطعمه
أستودع الله في بغداد لي قمراً *** بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني *** صفو طيب الحياة وأني لا أودعه
كم قد تشفع بي أن لا أفارقه *** وللضرورة حال لا تشفعه
وقد تشبث بي يوم الرحيل ضحى *** وأدمعي مستهلات وأدمعه
لا أكذب الله ثوب الصبر منخرق *** عني بفرقته لكن أرقعه
إني أوسع عذري في جنايته *** بالبين عني وجرمي لا يوسعه
رزقت ملكاً فلم أحسن سياسته *** وكل من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابساً ثوب النعيم بلا *** شكر عليه فإن الله ينزعه
إعتضت من وجه خلي بعد فرقته *** كأساً أجرع منها ما أجرعه
كم قائل لي ذقت البين قلت له *** الذنب والله ذنبي لست أدفعه
ألا أقمت فكان الرشد أجمعه *** لو أنني يوم بان الرشد أتبعه
إني لأقطع أيامي وأنفدها *** بحسرة منه في قلبي تقطعه
بمن إذا هجع النوام بت له *** بلوعة منه ليلي لست أهجعه
لا يطمئن لجنبي مضطجع وكذا *** لا يطمئن له مذ بت مضجعه
ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني *** به ولا أن بي الأيام تفجعه
حتى جرى البين فيما بيننا بيد *** عسراء تمنعني حقي وتمنعه
قد كنت من ريب دهري جازعاً فزعاً *** فلم أوق الذي قد كنت أجزعه
بالله يا منزل العيش الذي درست *** آثاره وعفت مذ بنت أربعه
هل الزمان معيد فيك عيشتنا؟ *** أم الليالي الذي أمضته ترجعه
في ذمة الله من أصبحت منزله *** وجاد غيث على مغناك يمرعه
من عنده لي عهد لا يضيعه *** كما له عهد صدق لا أضيعه
ومن يصدع قلبي ذكره وإذا *** جرى على قلبه ذكري يصدعه
لأصبرن لدهر لا يمتعني *** به ولا بي في حال يمتعه
علماً بأن اصطباري معقباً فرجاً *** فأضيق الضيق إن فكرت أوسعه
عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا *** جسمي ستجمعني يوماً وتجمعه
وإن تنل أحداً منا منيته *** فما الذي بقضاء الله يصنعه
المراجع:
ـ مصارع العشاق : السرّاج القاري . بتصرف
ـ الكشكول : بهاء الدين العاملي .
ـ الموسوعة الشعرية : المجمع الثقافي .
ـ ألحوظة : لم أجد له ترجمة وافية في المراجع التي بين يدي , فمن وجد معلومة عنه أرجو أن يغني بها الترجمة , وشكرا .