محمد حافظ ابراهيم
1286ـ1350هـ = 1870ـ 1932م
نشأته وحياته :
قال أحمد الزيات:
" ولد محمد حافظ إبراهيم في ديروط من أعمال مديرية أسيوط حوالي 1870 إذا كان أبوه إبراهيم فهمي من المهندسين المشرفين على بناء قناطرها .
ولما كان عمره سنتين توفي أبوه فقيرا في ديروط فانتقلت به أمه إلى القاهرة فكفله خاله وأدخله المدرسة الخيرية فمدرسة المبتدين فالمدرسة الخديوية , ثم انتقل خاله إلى طنطا فنقله معه , فقضى فيها بضع سنين متبطلا يزجي فراغه بالقراءة , ويدفع ملاله بالقريض .
ولم يستطع خاله لسبب ما أن يجلو عنه غمة اليأس وذلة اليتم , فكان لا يفتأ متبرما بالعيش , متأففا بالناس , متجنيا على القدر , لا ينشىء الشعر غلا في ذاك .
ثم دفعته الحاجة إلى مكاتب المحامين فتبلغ بالعمل فيها حينا , حتى أسعفته الفرص فدخل المدرسة الحربية , وخرج منها ضابطا بالجيش , ثم نقل إلى الشرطة , ثم أعيد إلى الجيش , وأشخص إلى السودان في الحملة المصرية بقيادة كتشنر فبقي هناك زمنا .
كان لا ينفك فيه متبرما متمردا , يلح في العودة إلى مصر , فلما أخفق مسعاه ثار مع فئة من الضباط سنة 1899 , فحوكم وأحيل إلى الاستداع ومنه إلى المعاش .
عاد حافظ كما كان يضطرب في الحياة المبهمة , لا يستريض لعمل , ولا يستقر على أمر , ولا يتشوف إلى غاية , وإنما يضطرب نهاره من قهوة إلى قهوة , ويتقلب ليله من مجلس إلى مجلس , ويفيء إلى ظل الإمام محمد عبده فينتفع بجاهه ويعيش على رفده , ويغشى مع ذلك أبهاء النعمة , يسامر أهلها بعذب حديثه , وينادمهم برقيق شعره .
وفي سنة1911 عينه أحمد حشمت باشا وزير للمعارف يومئذ للقسم الأدبي بدار الكتب المصرية , ثم وكيلا للدار , وظل في هذا المنصب حتى خرج إلى التقاعد في صدر سنة1932 .
وتوفي صيف السنة نفسها ". انتهى
ـ مناسبة القصيدة :
في مطلع بداية القرن العشرين بدأت الصيحات تتعالى وتطلب باستعمال العاميات المحلية لغة رسمية , ومنشأ هذه الصيحة , ومدبر أمرها والنافخ في أبواق الشر يومها هم المستشرقون , حيث استعملوا كعادتهم الطرق الملتوية للوصول لغرضهم المحرض على هدم الإسلام .
ومن بين هذه الطرق الملتوية فكرة أن اللغة العربية الفصيحة لغة قديمة , لأنه قلت شعبيتها , وتداولها بات حكرا للشيوخ في كتاتيبهم التعليمة , فحالها حال اللاتينية التي تستعمل بين القساوسة في الكنائس فقط .
وتدريسها صعب , والطرق المتبعة في تعليمها قديمة , ومن ثَمَّ ففيه صعوبة في فهمها , لذا وتماشيا مع روح العصر يجب اتخاذ العاميات لغة رسمية , وهي اللغة المتداولة , بين الناس .
فتلقف هذه الفكرة من كان متأثرا بهم من أبناء العرب , وكانوا مرجع صداها , وللأسف كلهم يحسبون من المؤثرين في قومهم , فنادوا بدورهم بلبننة اللغة وتمصيرها وغيرها من اللغات.
لكن قيض الله للغة العربية رجالا غيورين عليها , فدافعوا عنها , وبفضلهم بدأت اللغة العربية تعود لأيام مجدها وعصورها الذهبية . ومن يعود لتلك الفترة ويتتبع الأمر في بطون الكتب و المجلات والجرائد الصادرة وقتها , يتوضح الأمر لديه جليا .
ومن بين المنافحين عن اللغة العربية كان شاعرنا , شاعر النيل كما يلقب حافظ ابراهيم رحمه الله حيث نشرت هذه القصيدة سنة 1903كما هو مذكور في ديوانه تحت عنوان " اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها".
وكما هو مُوَضّح من العنوان فقد تكلم حافظ في هذه القصيدة بلسان اللغة العربية , وشكى من عقوق أبنائها لها , و بعض الكلام الذي يدار في مجالسهم ويقال عنها , ومن المكيدة المدبرة في حقها , ووصف عتابها ونصحها لهم .
ـ القصيدة:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي *** وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني *** عقمت فلم أجزع لقول عُداتي
ولـدت ولمـّـا لـم أجـد لعرائـسي *** رجــالا وأكفــاء وأدت بنــاتي
وسعت كتـاب الله لفظـا وغايـة *** ومـا ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة*** وتنسيــق أسمـاء لمخترعـات
أنا البحر في أحشائه الدّر كامن *** فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني *** ومنــكم وإن عـزّ الدواء أساتــي
فــلا تكلونــي للزمــان فإننــي *** أخـاف عليتكم أن تحيـن وفاتـي
أرى لرجال الغرب عزا ومنعة *** وكــم عــزّ أقـــوام بــعز لغــات
أتَـوا أهلـهم بالمعجـزات تفننتا *** فيــا ليتــكم تأتــون بالكلمــات
أيطربكم من جانب الغرب ناعب *** ينـادي بـوأدي في ربيـع حياتي
ولو تزجرون الطير يوما علمتم *** بمـا تحتـه مـن عثـرة وشتـات
سقى الله في بطن الجزيرة أعظما*** يعِــزّ عليـــها أن تليــن قناتــي
حفظن ودادي في البلى وخفظته*** لــهن بـقلب دائـــم الحســـرات
وفاخرتُ أهل الغرب والشرقُ مطرق***حياء بتلك الأعظم النّخرات
أرى كـل يـوم بالجرائــد مزلقــا *** من القبر يدنيني من غير أناتي
وأسمع للكُتّاب في مصرَ ضجّة *** فأعلم أنّ في الصائحين نعاتي
أيهجرني قومي عفا الله عنهم *** إلــى لغــة لـتم تــتصل بــرواة
سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرت *** لعاب الأفاعي في مسيل فرات
فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة *** مشَكّلــة الألـــوان مختلفـــات
إلى معشر الكتّاب والجمعُ حافل *** بسطت رجائي بعد بسط شكاتي
فإما حياة تبعث الميت في البلى *** وتنبت في تلك الرُموس رفاتي
وإمـا ممـات لا قيـــامة بــعده *** ممـات لعمري لم يقس بممات
ـ المرجع
ـ تاريخ الأدب العربي: أحمد حسن الزيات.
ـ ديوان حافظ ابراهيم