جَرير
28 - 110 هـ / 648 - 728 م
ـ الشاعر :
جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي .
أبو حزرة ، من تميم .
أشعر أهل عصره ، ولد ومات في اليمامة ، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه , ويساجلهم فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل .
كان عفيفاً ، وهو من أغزل الناس شعراً.
ـ مناسبة القصيدة:
هذه القصيدة إحدى نقائض جرير , يرد فيها على الأخطل الذي كان قد هجاه بنقيضة مماثلة .
وقد حوت بيتا , عَدّه بعض العلماء أهجى بيت شعر قالته العرب , حيث قال :
والتغلبيُّ إذا تنحنحَ للقِرى *** حكَّ استَه وتمثَّل الأمثالا
وبعضهم عدّ بيتا آخر وهو مذكور في القصيدة كذلك , ومن النقاد من ذكر بيتا ثالثا من القصيدة , وما دَلّ هذا إلا على قدر هذه القصيدة عند جمهور العلماء .
خاصة وأن قائل هذا البيت هو جرير , الذي قال عنه الجاحظ وعن من هو في طبقته من الشعراء , في كتابه " البيان والتبيين ":
" والذين هَجَوا فوضَعوا مِن قدر مَن هجوَه، ومَدحوا فرفعوا مِن قدْر من مَدحُوا، وهَجاهم قومٌ فردُّوا عليهم فأفحَموهم، وسكَتَ عنهم بعضُ من هجاهم مخافةَ التعرُّض لهم، وسكتوا عن بعض مَن هجاهم رغبةً بأنفسهم عن الردّ عليهم، وهم إسلاميّون : جرير، والفرزدق ، والأخطل ، وفي الجاهلية : زهير، وطَرفَة، والأعشى، والنابغة ، هذا قول أبي عبيدة ". أهـ
أما الأخطل و قبيلة تغلب فقد تجرعوا سُمّ هذا البيت , وذهب بهم كل مذهب .
قال جرير:
" قد قلت في قصيدتي بيتاً لو أن الأفاعي نهشتهم في أستاههم
ما حكوها حيث أقول:
والتغلبي إذا تنحنح للقرى *** حك آسته وتمثل الأمثالا ".أهـ
قال المرزوقي في كتابه " الأمالي ":
" وحدث الرواة أن كثيِّر بن عبد الرحمن الخزاعي ، دخل على عبد الملك بن مروان وعنده الأخطل فأنشده ، فالتفت عبد الملك إلى الأخطل , فقال : كيف ترى؟
فقال: حجازي مٌجدّع مغرور، دعني أصفحه ( أي:أضربه ) لك يا أمير المؤمنين .
فقال كثيّر: من هذا يا أمير المؤمنين ؟
فقال: هذا الأخطل .
فقال له كثيّر: فهلا صفحت الذي يقول :
لا تطلبنَّ خؤولةً في تغلبٍ *** فالزّنجُ أكرمُ منهمُ أخوالا
والتغلبيُّ إذا تنحنحَ للقِرى *** حكَّ استَه وتمثَّل الأمثالا
فسكت الأخطل وما أجاب بحرف " انتهى بتمامه.
وعن الجاحظ في كتابه البيان والتبيين قال :
" قال رجلٌ من بني تغلب ـ وكان ظريفاً ـ: ما لقِيَ أحدٌ من تغلبَ ما ألقَى أنا .
قلت : وكيفَ ذلك ؟!
قال: قال الشاعر:
لا تَطلُبَنَّ خُؤُولةً في تَغلِبٍ *** فالزِّنجُ أكرَمُ مِنهُمُ أخوالا
لوْ أنَّ تَغْلِبَ جَمَّعَتْ أحسابَها *** يومَ التَّفاخُرِ لم تَزِنْ مِثقالا
تَلْقاهُمُ حُلماءَ عن أعدائهمْ *** وعلى الصِّدِيقِ تراهُمُ جُهَّالا
والتَّغْلَبيُّ إذا تَنَحنَحَ لِلقِرَى *** حكّ استَهُ وتمَثَّلَ الأمثالا
واللَّه إنِّي لأتوهّم أنْ لو نهشت استِي الأفاعي ما حككتُها ". انتهى بتمامه
أما المعافى بن زكريا في كتابه الجليس الصالح , تحت عنوان " هفوة من سوارح العقل الباطن " , فقد ذكر عمن ينقل عنهم عن " الأصمعي عن عبد الله بن صالح قال: قال لي رجل من حارثة بن لام :
أضافني رجل من بني تغلب فأحسن ضيافتي فأفلت من لساني هذا البيت:
والتغلبي إذا تنحنح للقرى *** حك آسته وتمثل الأمثالا
فلما قلته خجلت وسُقِط في يدي .
فقال لي : يا عبد الله انبسط ، فإنما قلت كلمة ً مقولة ً ".أهـ
ـ القصيدة :
حَيِّ الغَدَاةَ، برامةَ الأطْلالا، *** رَسماً تَقَادَمَ عَهْدُهُ فَأَحالا
إنّ الغَوَادِيَ وَالسّواريَ غَادَرَتْ *** للرّيحِ مُخْتَرَقاً بِهِ وَمَجالا
أَصْبَحْتَ بَعْدَ جَميعِ أَهْلَكَ دِمْنَةً *** قَفراً، وَكُنْتَ مَحَلّةً مِحْلالا
لَمْ يُلْفَ مِثْلَكَ بعدَ أَهْلِكَ مَنْزِلاً، *** فَسُقِيتَ مِنْ نَوءِ السِّماكِ سِجَالا
وَلَقَدْ عَجِبْتُ من الدّيَارِ وأَهْلِها، *** وَالدّهْرِ، كَيْفَ يبدِّلُ الأبْدالا
وَرَأَيْتُ راحلةَ الصِّبا قَدْ أَقْصَرَتْ،*** بَعْدَ الذّمِيلِ، وَمَلّتِ التَّرحالا
إنّ الظّعائنَ يَوْمَ بُرْقَةِ عاقِلٍ *** قَدْ هِجنَ ذا خَبَلٍ، فزِدْنَ خَبَالا
هَامَ الفُؤادُ بِذِكْرِهِنّ، وقد مَضَتْ *** بِاللّيْلِ أَجْنِحَةُ النجومِ، فَمَالا
فَجَعَلْنَ بُرْقَةَ عاقِلٍ أَيْمَانَها، *** وَجَعَلْنَ أَمْعَزَ رَامَتَينْ شِمالا
يَا لَيْتَ شِعري يَوْمَ دارةِ صُلْصُلٍ، *** أَيُرِدْنَ قَتْلي أم يُرِدْنَ دَلالا
فَلَوْ انّ عُصْمَ عَمَايَتَينِ، فَيَذْبُلٍ *** سمعا حَنيني أَنزَلا الأَوعالا
لا يَتّصِلْنَ، إذا افتَخَرْنَ بِتَغْلبٍ *** وَلَبِسْنَ زُخْرُفَ زِينَةٍ وَجَمالا
طَرَق الخيالُ، وَأيُّ سَاعةِ مَطرَقٍ، *** والحبّ، بالطيفِ الملمّ خَيالا
حُيِّيتَ لَسْتَ غداً لَهُنّ بِصَاحِبٍ، *** بِحزيزِ وجرةَ إذ يَخِدنَ عِجالا
أَجْهَضْن مُعْجَلَةً لِسِتّةِ أَشْهُرٍ، *** وَحُذينَ بَعْدَ نِعالِهِنّ نِعالا
وإذا النّهارُ تَقَاصَرَتْ أَظْلاَلُهُ، *** وَوَنَى المطيُّ سآمةً وكَلالا
دَفَعَ المَطيُّ بِكُلّ أَبْيَضَ شاحبٍ *** خَلَقِ القميص تَخَالُهُ مُختالا
إنّي حَلَفْتُ، فَلَنْ أُعَافيَ تَغْلِباً *** للظّالِمِينَ عُقُوبَةً، وَنَكالا
قَبَحَ الإلهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ، إنّها *** هَانَتْ عليّ مَعَاطِساً وَسِبالا
المُعْرِسُونَ إذا انْتَشَوْا بِبِنَاتِهِمْ *** وَالدّائِبِينَ إجَارَةً وَسُؤالا
وَالتّغْلِبيّ إذا تَنَحْنحَ للقِرَى *** حَكّ اسْتَهُ وَتَمَثّلَ الأمْثَالا
عَبَدوا الصّليبَ، وَكَذّبوا بِمُحَمّدٍ، *** وَبِجِبرِئيلَ، وَكذّبوا مِيكالا
لا تَطْلُبَنّ خُؤولَةً مِنْ تَغْلِبٍ، *** فَالزّنْج أَكْرَمُ مِنْهُمُ أَخْوالا
خَلِّ الطّرِيقَ لَقَدْ لَقيتُ قُرُومَنا، *** تنفي القرومَ تخمّطاً وصِيالا
أَنِسيتَ قَوْمَك بالجَزِيَرةِ بَعْدَمَا *** كَانَتْ عُقُوبَتُهُ عَلَيْكَ نَكَالا
أَلاَ سَأَلْتَ غُثاءَ دِجْلَةَ عَنْكُمُ، *** وَالخامِعَاتُ تُجَرِّرُ الأوْصالا
حَمَلَتْ عَلَيْكَ حُماةُ قيس خَيلَهم، *** شُعْثاً عَوَابِسَ، تَحْمُلُ الأبطالا
ما زِلْتَ تَحْسِبُ كلَّ شَيْءٍ بعدَها *** خَيْلاً تَشُدّ عَلَيْكُمُ وَرِجالا
زُفَرُ الرّئِيسُ، أَبو الهُذَيلِ، أَتَاكُمُ، *** فسبى النّساءَ، وأَحْرَزَ الأمْوالا
قَالَ الأُخَيْطِلُ، إذْ رأَى رَاياتِهمْ *** يا مَارَ سَرْجِسَ لا أُريدُ قِتالا
ترَكَ الأُخَيْطِلُ أُمَّهُ، وَكَأَنّها *** مَنحاةُ سانيةٍ تُريد عِجالا
وَرَجَا الأُخيطِلُ من سَفَاهَةِ رَأْيِهِ، *** مَا لم يَكُنْ وأبٌ لَهُ لِيُنالا
تَمّتْ تميم، يا أُخيطلُ، فاحْتَجِزْ، *** خَزِيَ الأُخَيْطِلُ حِينَ قُلْتُ وقالا
وَرَمَيْتَ هَضْبَتَنَا بِأَفْوَقَ ناصِلٍ، *** تَبْغي النّضال، فقد لَقِيتَ نِضالا
وَلَقِيتَ دوني من خُزَيمةَ باذخاً، *** وَشقاشقاً، بَذخَتْ عَلَيْكَ طِوالا
وَلَوْ أَنّ خِنْدِفَ زَاحَمَتْ أَرْكَانُها *** جَبَلاً أَشَمَّ مِنَ الجِبالِ لَزالا
إنَّ القوافيَ قدْ أُمِرّ مَريرُها *** لبني فَدَوكسَ إذْ جَدَعْنَ عِقالا
قَيسٌ وَخِنْدَفُ، إنْ عَدَدْتَ فِعَالَهم، *** خَيْرٌ وَأَكْرَمُ من أَبِيكَ فَعالا
رَاحت خُزيمةُ بالجياد، كأَنّها *** عِقْبَانُ عاديةٍ يَصِدْنَ صِلالا
هَلْ تَمْلِكُونَ مِنَ المشاعر مَشعراً، *** أَوْ تَنْزِلُونَ من الأرَاكِ ظِلالا
فَلَنَحْنُ أَكْرَمُ في المنازل مِنْكُم *** خَيلاً، وأَطْوَلُ في الحِبالِ حِبالا
ما كان يُوجَدُ في اللّقاءِ فوارسي *** مِيلاً، إذا فزعوا، ولا أَكْفَالا
قُدنا خُزيمَةَ، قد علمتم، عَنْوةً، *** وشتا الهُذَيْلُ يُمَارِسُ الأغلالا
وَرَأَتْ حُسَيْنَةُ في الغداة فَوارسي *** تحمي النّساء، وَتَقْسِمُ الأنفالا
فَصَبِحْنَ نُسْوَةَ تغلبٍ فَسَبَيْنَهُم،*** وَرَأَى الهُذَيْلُ لِوَرْدِهنّ رِعالا
إنّا كذاك لمثلِ ذاكَ نُعِدّها *** تُسقَى الحَلِيبَ وَتُلْبَسُ الأجلالا
لولا الجزِى قُسِمَ السوادُ وَتَغلِبٌ *** للمُسلِمِينَ، فَأَصْبَحُوا أَنْفالا
لَوْ أَنّ تَغْلِبَ جَمّعَتْ أَحْسَابَها، *** يَوْمَ التّفاضُلِ، لم تَزِنْ مِثْقَالا
أَوْجَدْتَ فِينَا غَيْرَ عُذْرِ مُجاشعٍ *** وَمَجَرّ جِعْثِنَ والزّبَيرِ مَقالا
ـ المراجع :
ـ الأمالي : المرزوقي .
ـ البيان والتبيين : الجاحظ .
ـ الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي : المعافى بن زكريا .
ـ جمهرة أشعار العرب : أبو زيد القرشي .
ـ الموسوعة الإلكترونية الشعرية : المجمع الثقافي 2003.