قال أبو منصور الثعالبي [ المتوفى سنة 350هـ = 1038م ] في كتابه " الإعجاز والإيجاز " :
" قال دعبل أمدح بيت قالته العرب في الجاهلية قول أبي طمحان:
أضآت لهم أحسابهم ووجوههم *** دجى الليل حتى نظم الجذع ثاقبه ". أهـ
وقال أيضا :
" ووقع الإجماع على أن أهجي بيت للجاهلية قوله ( أي : الأعشى واسمه ميمون بن قيس ):
تبيتون في المشتا ملاء بطونكم *** وجاراتكم غرثى يبتن خماصا
وأن أمدح بيت لهم قوله:
يبيتون في المشتا خماصاً وعندهم***من الزاد فضلات تعد لمن يقرى
إذا ضل عنهم ضيفهم رفعوا له *** من النار في الظلماء ألوية حمرا
في الخبر إن أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل *** وكل نعيم لا محالة زائل
وقيل لبشار بن برد : أخبرنا يا أبا معاذ عن أجود بيت للعرب .
فقال: إن تفضيل بيت على أشعار العرب لشديد , ولكن أحسن كل الإحسان وأوجز وأعجز لبيد في قوله:
أكذب النفس إذا حدثتها *** إن صدق النفس يزري بالأمل ". أهـ بتصرف
وقال كذلك في كتابه " خاص الخاص ":
" ومما وقع الإجماع على أنه أمدح بيت قالته العرب قوله
تراه إذا ما جئته متهللا *** كأنك تعطيه الذي أنت سائله ". أهـ
والبيت لابن الزبير الأسدي .
قال أبو أحمد العسكري [ المتوفى سنة 382هـ = 993م ] في كتابه " المصون في الأدب " :
" وأمدح بيت قول زهير:
تراه إذا ما جئته متهلِّلاً *** كأنك معطيه الذي أنت سائلُه
وبيت النابغة:
بأنّك شمس والملوك كواكبٌ *** إذا طلعتْ لم يبد منهنّ كوكب
وبيت جرير:
ألستم خيرَ من ركب المطايا *** وأندى العالمينَ بطونَ راحِ
وبيتُ أبى الطّمحان القينىّ:
أضاءَت له أحسابُهم ووجوهُهم *** دجى الليل حتّى نظّم الجَزعَ ثاقبُه
وقال ابن الأعرابيّ: أمدح بيت قالته العرب قول أوس بن مغراء في سعيد بن العاص:
ما بلغتْ كفُّ امرئٍ متناولٍ *** من المجد إلاَّ والذي نلت أطولُ
ولا بلغَ المهدون في القول مدحةً *** وإنْ أطنبوا إلاّ الذي فيك أفضلُ
وقال غيره: أمدح بيت قولُ الأعشى:
فتىً لو يباري الشمسَ ألقتْ قناعها***أو القمرَ الساري لألقى المقالدا
وقال ابن شبرمة: قول الحطيئة:
أولئك قومٌ إنْ بنَوا أحسنوا البُنى***وإن عاهدوا أوفوْا وإن عقَدوا شدُّوا
وإن كانت النعماءُ فيهم جزوا بها***وإن أنعموا لا كدَّروها ولا كدُّوا
وقالوا أيضاً: بيت زهير:
على مكثِريهم حقُّ من يعتريهم *** وعند المقلِّين السماحةُ والبذلُ
وقالوا: بيت حسّان:
يغشونَ حتّى ما تهرُّ كلابُهم *** لا يسألون عن السَّواد المقبلِ
وقالوا: بيت النابغة الجعديّ:
فتىً تمَّ فيه ما يسرُّ صديقه ***على أنّ فيه ما يسوءُ الأعاديا ".أهـ
في كتاب الأغاني للأصفهاني [ المتوفى سنة 384هـ = 967م ] , أن عبد الملك بن مروان سأل أعرابيا , فقال
" فهل لك علمٌ بالشعر؟
قال: سلني عما بدا لك يا أمير المؤمنين.
قال: أي بيتٍ قالته العرب أمدح؟
قال: قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح "أهـ
وقال أبو هلال العسكري [ 395هـ = 1005م ] في كتابه " ديوان المعاني " :
" سمعت أبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، رحمه الله تعالى يقول: أمدح بيت قالته العرب قول النابغة الذبياني .
ألم تَرَ أنّ اللَّهَ أعطاكَ سُورة *** تَرى كلَّ مَلْك دُونها يَتَذَبْذَب
بأنك شمسٌ والملوك كواكبٌ *** إذا طلعت لم يبْدُ منهنّ كوكبُ ". أهـ
وقال أيضا في موضع ثاني من الكتاب :
" وقالوا: أمدح بيت قالته العرب قول أبي الطمحان:
أضاءَتْ لهم أحسابُهم وَوجُوهُهم***دُجَى الليل حتى نَظّمَ الجزعَ ثاقبة
نجومُ سماء كلما انقضَّ كوكبٌ *** بدا كوكب تأوي إليه كواكبه
وما زال منهم حيث كان مسودٌ *** تسيرُ المنايا حيثُ سارتْ كتائبه ". أهـ
وذكر في موضع ثالث من الكتاب :
" وقول آخر:
إخترْ فِناءَ بني عَمْرو فإنهمُ *** أولُو فضولٍ وأقدار وأخطارِ
إن يُسألوا الخير يُعطَوهُ وإن جهدوا***فالجهد يخرج منهم طيبَ أخبار
وإن تودَّدتهم لانوا وإن شتموا *** كَشَفْتَ أذمارَ سرٍّ غير أسرار
هْينون ليْنون أيسارٌ ذوو يُسرِ *** أربابُ مَكرُمة أبناء إيسارِ
من تلقَ منهم تقلْ لاقيتُ سيدَهم***مثلَ النجوم التي يُهدَى بها الساري
وهذا عندي أمدح شيء قيل في وصف جماعة ".أهـ
وفي موضع أخر قال :
" قالوا: أمدح بيت قالته العرب قول الأعشى:
فتىً لو ينادي الشمسَ ألقت قِناعَها***أو القمرَ الساري لألقى المقالِدا " أهـ
وذكر أيضا في موضع آخر من الكتاب :
" وقالوا: أمدح بيت قالته العرب قول زهير:
َتراه إذا ما جِئتَهُ مُتهلِّلا *** كأنك تُعطِيهِ الذِي أنتَ سائِلُهْ ". أهـ
وقال في موضع آخر :
" وقالوا أمدح بيت قالته العرب قول جرير:
ألَسْتم خيرَ مَن رَكبَ المطايا *** وأندَى العالمينَ بُطون راحِ
وليس هذا الاستفهام للشك وفي القرآن الشريف:
"أليس الله بعزيز ذي انتقام".
"أليس الله بأحكم الحاكمين".
"أليس الله بكآفٍ عبده" ". أهـ
وقال في موضع آخر :
" وقالوا أمدح بيت قالته العرب قول حسان:
يغشون حتى ما تهر كلابُهم *** لا يسألونَ عن السَّواد المقبلِ ". أهـ
وقال في موضع آخر :
" وقالوا أمدح بيت قالته العرب قول النابغة الجعدي:
فتى تمَّ فيه ما يسرُّ صديقَه *** على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا ". أهـ
وقال في موضع آخر :
" وقالوا: أمدح بيت قالته العرب قول حسان:
بِيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم *** شم الأنوفِ من الطراز الأولِ
يغشونَ حتى ما تهرُّ كلابُهم *** لا يَسألون عن السوادِ المقبل ".أهـ
وقال في موضع آخر :
" من تلق منهم تقل لاقيتُ سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
وهي على الحقيقة أمدح أبيات قيلت.
وقالوا: أمدح بيت قيل قول الخنساء في أخيها:
أغرُّ أبلجْ تأتمُّ الهداةُ به *** كأنه علمٌ في رأسه نارُ
أخبرنا أبو أحمد ، حدثنا الأنباري عن أبي عكرمة الضبي ، أخبرنا أبو دعامة عن صالح بن محمد بن المسيب قال :
سمعت المفضل الضبي يقول:
أتاني رسول المهدي فقال: أجب فهالني ذلك ، فمضيت معه حتى دخلت ، وعنده علي بن يقطين ، وعمر بن بزيع ، والمعلى مولاه
فسلمت فرد وقال اجلس ، فجلست فقال : أخبرني بأمدح بيت قالته العرب .
فتحيرت ثم جرى على لساني قول الخنساء:
وإنَّ صخراً لمولانا وسيدنا *** وإن صخراً إذا يشتو لنجَّارُ
أغرُّ أبلجُ تأتمُّ الهداةُ به *** كأنه علمٌ في رأسه نارُ
فقال: أخبرت هؤلاء فأبوا علي .
فقلت: يا أمير المؤمنين كنت أحق بالصواب ". أهـ
وقال في موضع آخر :
" وقالوا: أمدح بيت قالته العرب قول الحطيئة:
متى تأتهِ تَعشو إلى ضوءِ نارهِ***تجدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ مُوقدِ ". أهـ
وقال ابن رشيق القيرواني ـ [ المتوفى سنة 463هـ = 1071م ] وكما ذكره في كتابه " العمدة " :
" سأل الرشيد المفضل الضبي: أي بيت قالته العرب أمدح؟ .
فقال:
أغر أبلج تأتم الهداة به *** كأنه علم في رأسه نار ". أهـ
والبيت للخنساء في قصيدة ترثي بها أخاها صخر , لكن القاضي التنوخي [ المتوفى سنة 384هـ = 994م ] ذكر أن الخليفة السائل , هو المهدي وليس هارون الرشيد حيث ذكر القصة بتمامها في كتابه " الفرج بعد الشدة " تحت عنوان " أمدح بيت قالته العرب " , فقال :
" قال المفضل بن محمد الضبي :
أصبحت يوماً ببغداد، في خلافة المهدي، وأنا من أشد الناس إضاقة وضراً، لا أدري ما أعمل، حيرة وفكراً.
فخرجت، فجلست على باب منزلي بالصراة ، أفكر فيما أصنع ، فإذا أنا برسول المهدي قد وقف علي .
فقال: أجب أمير المؤمنين .
فراعني ، وساء ظني , فقلت : أدخل فألبس ثيابي .
فقال: ما إلى ذلك سبيل.
فاشتد جزعي، وخشيت أن يأخذني بما كان بيني وبين إبراهيم بن عبد الله ابن حسن بن حسن رضي الله عنهم , فاستدعيت ثيابي ، وجددت وضوءاً على الباب ، ولم أخبر أهلي بقصتي ، ولا بما هجم من الغم علي .
وقلت: إن كان خيراً أو شراً فسيبلغهم ، فما معنى تعجيل الهم لهم.
ومضيت مع الرسول حتى دخلت على المهدي ، وأنا في نهاية الجزع فسلمت ، فرد علي السلام.
فقلت في نفسي: ليس إلا خيراً.
فقال: اجلس يا مفضل .
فجلست.
فقال: أخبرني عن أمدح بيت قالته العرب.
فتبلدت ساعة ، لا أذكر شيئاً ، ثم أجرى الله على لساني ، أن قلت: قول الخنساء.
فأشرق وجهه ، وقال: حيث تقول ماذا ؟.
فقلت: حيث تقول:
وإنّ صخراً لوالينا وسيّدنا *** وإنّ صخراً إذا نشتو لنحّار
وإنّ صخراً لتأتمّ الهداة به *** كأنّه علم في رأسه نار
فاستبشر به ، وقال: قد أخبرت هؤلاء بهذا ـ وأومأ إلى جماعة بين يديه ـ فلم يقبلوا مني .
قلت: كان أمير المؤمنين، أحق بالصواب منهم.
قال: يا مفضل، حدثني الآن.
قلت: أي الأحاديث ؟.
قال: أحاديث الأعراب
فلم أزل أحدثه، بأحسن ما أحفظ منها ، إلى أن كاد المنادي بالظهر أن ينادي .
ثم قال لي: كيف حالك يا مفضل ؟.
قلت: ما يكون حال رجل عليه عشرون ألف درهم ديناً حالاً ، وليس في رزقه فضل لقضائها ، وقصصت عليه قصة حالي ويومي في الإضافة.
فقال: يا عمر بن بزيع ، ادفع إليه الساعة ، عشرين ألف درهم يقضي بها دينه، وعشرين ألف درهم يصلح بها حاله ، وعشرين ألف درهم يجهز بها بناته ، ويوسع بها على عياله.
ثم قال: يا مفضل، ما أحسن ما قال ابن مطير، في مثل حالك:
وقد تغدر الدنيا فيضحي غنيّها *** فقيراً ويغنى بعد بؤس فقيرها
وكم قد رأينا من تكدّر عيشة *** وأخرى صفا بعد اكدرار غديرها
فأخذت المال، وانصرفت إلى بيتي بستين ألف درهم ، بعد الإياس ، وتوطين النفس على ضرب الرقبة ". أهـ
وقال الحصري القيرواني – [ المتوفى سنة 453هـ = 1061م ] في كتابه " زهر الآداب ":
" وصفت لعبد الملك بن مروان جارية لرجل من الأنصار ذات أدب وجمال، فساومه في ابتياعها، فامتنع وامتنعت .
وقالت: لا أحتاجُ للخلافة ولا أرغبُ في الخليفة ، والذي أنا في
ملكه أحبُّ إليّ من الأرض ومَنْ فيها.
فبلغ ذلك عبد الملك فأغراه بها ؛ فأَضعف الثمن لصاحبها وأَخذها قَسْراً ، فما أعجب بشيء إعجابه بها ، فلمّا وصلت إليه ، وصارت في يديه ، أمرها بلزوم مجْلِسه ، والقيامِ على رأسه ؛ فبينما هي عنده ، ومعه ابْنَاهُ الوليد وسليمان ، قد أَخلاهما للمذاكرة ، فأقبل عليهما فقال : أيُّ بيت قالته العرب أمدح؟ .
فقال الوليد: قول جرير فيك:
أَلسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايا *** وأَندَى العالمينَ بُطُونَ راحِ؟
وقال سليمان: بل قول الأخطل:
شُمْسُ العَداوةِ حتى يُستقادَ لهمْ *** وأَعظمُ الناسِ أحلاماً إذا قَدَرُوا
فقالت الجارية: بل أمدح بيت قالته العرب قول حسان بن ثابت: يُغْشَوْنَ حتى ما تَهِرَّ كلابُهُمْ *** لا يَسْألون عن السَّوادِ المُقْبِلِ ". أهـ
وذكر أسامة بن منقذ [ المتوفى سنة 584هـ = 1188م ] في كتابه " البديع " أنه :
" قال عبد الله بن رواحة الأنصاري ـ رحمه الله يمدح النبي صلى الله عليه وسلم , وهو أمدح بيت قالته العرب ـ :
تحمله الناقةُ الأدماءُ معتجراً ***بالبردِ كالبدرِ جلى نورهُ الظلما " . أهـ
في كتاب " نصرة الإغريض في نصرة القريض " قال المظفر العلوي [ المتوفى سنة 656هـ = 1358م ]:
" وقال أبو تمام الطائي: لا أعرف أحداً أحسنَ صنعةً في الترديد من قوْلِ زُهير وهو:
مَنْ يلْقَ يوماً على عِلاّتِه هرِماً ***يَلْقَ السّماحةَ منهُ والنّدَى خُلُقا
ويُروى: إن تلقَ... وتلقَ السّماحةَ.
قال الأصمعي: هذا أمدحُ بيتٍ قالتْهُ العرَب ". أهـ
وفي كتاب " المحاضرات في الأدب واللغة " , وتحت عنوان " أمدح بيت قالته العرب " قال اليوسي [ المتوفى سنة 1103هـ = 1691م ]:
" أمدح بيت قالته العرب قول الخنساء رحمها الله:
وإن صخراً لتأتمُّ الهداة به *** كأنه علم في رأسه نار
وقيل: قول زهير:
تراه إذا ما جئته متهللاً *** كأنك معطيه الذي أنت سائله
وقيل: قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح
وقيل: قول الأخطل:
شُمسُ العداوةِ حتى يُستقادَ لهم *** وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا
وقيل: قول حسان رضي الله عنه في بني جفنة:
يُغشَوْنُ حتى ما تهر كلابهم *** لا يسألون عن السواد المقبل
وقيل: قول الأعشى:
فتى لو ينادي الشمس ألقت قناعها***أو القمر الساري لألقى المقالدا
قوله: ينادي الشمس أي يجالسها في نَدِيٍّ.
وقيل: قول أبي الطمحان القيني:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم***دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه ". أهـ
ـ المراجع :
ـ الإعجاز والإيجاز : أبو منصور الثعالبي .
ـ الأغاني : الأصفهاني .
ـ العمدة في محاسن الشعر وآدابه : ابن رشيق القيرواني .
ـ الفرج بعد الشدة : القاضي التنوخي .
ـ المحاضرات في الأدب واللغة : اليوسي .
ـ المصون في الأدب : أبو أحمد العسكري .
ـ خاص الخاص : أبو منصور الثعالبي .
ـ ديوان المعاني : أبو هلال العسكري .
ـ زهر الآداب : الحصري القيرواني .
ـ نصرة الإغريض في نصرة القريض : المظفر العلوي .