قال ابن عبد ربه الأندلسي ـ [ المتوفى سنة 328هـ = 940م ] , في كتابه " العقد الفريد " ـ :
" وقالوا: أهجى بيت قالته العرب قول جرير:
والتَّغْلبيّ إذا تَنَحْنح للقِرَى *** حكَّ آسْتَه وتمثَّلَ الأمْثَالاَ
ولما قال جرير هذا البيت قال: والله لقد هجوتُ بني تَغلب ببيت لو طُعنوا في أستاههم بالرِّماحِ ما حكّوها ". أهـ
وذكر في موضع ثاني من الكتاب :
" وقالوا: أَهجى بيت قالْته العرب قولُ الطرمّاح بن حَكيم :
تميم بطُرْق اللؤمٍ أهدَى من القَطَا *** ولو سَلكتْ سُبْلَ المَكارم ضَلَّت
ولو أنّ بُرْغوثا على ظهر قَملة *** رأتْه تميمٌ يوم زحْفٍ لولّت
ولو أن عُصفوراً يمُد جناحَه *** لقامت تميمٌ تحتَه واستظلّتِ
وقال بعضُهم: قولُ جرير في بني تَغلب:
والتّغلبيّ إذا تَنحنح للقِرَى *** حكّ آستَه وتمثّل الأمثالاَ
ويقال: قولُه:
قومٌ إذا اْستَنْبح الأضيافُ كلبَهُم *** قالوا لأمهم بُولِي على النّار ".أهـ
وقال ابن حبان البستي ـ [ المتوفى سنة 354هـ = 965م ] , في كتابه " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ":
" سمعت محمد بن نصر بن نوفل المروزي يقول: سمعت محمد بن صالح الوركاني يقول :
قيل للنضر بن شُميل : أي بيت قالته العرب أسخى؟ .
قال: الذي يقول:
فلو لم تكن في كفِّه غيرُ روحه *** لجادَ بها فليتق الله سائلُه
قال: وأي بيت قالته العرب أبخل؟ .
فقال:
لو جُعِلَ الخردلُ في كفِّه *** ما سَقَطَتْ من كفِّه خردَلَة
قال: وأي بيت قالته العرب أهجى؟ .
فقال:
العَجْرَفيُّون لا يوفون ما وعدوا ***والعجرفيَّات ينجزن المواعيدا ". أهـ
البيت الأول منسوب لغير واحد من الشعراء , فقد نسب لابن الزبير الأسدي وأبي بكر الشلبي وبكر بن النطاح ودعبل الخزاعي .
ولكن الذي يروي عنه النضر بن شميل فهو ابن الزبير الأسدي , وذلك لأن وفاة الأسدي كانت سنة 75 هجرية , أما النضر بن شميل فكانت سنة 203 هجرية , وباقي الشعراء المذكورين تأخرت وفاتهم عن وفاة الراوي , والله أعلم .
أما البيت الثاني والثالث فلم أجد لهما نسب لقائلهما , في المصادر التي بين يدي .
وعن أبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري ـ [ المتوفى سنة 382هـ = 993م ] ـ , و كما ذكره في كتابه " المصون في الأدب " أنه :
" قال عبد الملك بن مروان: أهجى بيت:
فإن تصبك من الأيام جائحةٌ *** لم أبكِ منك على دنيا ولا دين
وأهجى بيت في الإسلام:
قبحتْ مناظرُه فحينَ خبرتُه *** قبحتْ مناظره لقُبح المخْبَر ". أهـ
والبيت الأول لأبي وجزة السعدي , أما الثاني فهو لصريع الغواني مسلم بن الوليد , غير أن الكثير ممن رووا هذا البيت , رووه :
قَبُحَت مَناظِرُه فَحينَ خَبُرتُه *** حَسُنَت مَناظِرُه لِقُبحِ المَخبَر ِ
وانظر لذلك كتاب الأغاني للأصفهاني و المحاسن والمساوئ لابراهيم البيهقي والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص للعباسي .
وذكر صاحب الأغاني ـ [ المتوفى سنة 384هـ = 994م ] في كتابه , أن عبد الملك بن مروان سأل أعرابيا , فقال له:
" فأي بيتٍ أهجى؟ .
قال: قول جري:
فغض الطرف إنك من نميرٍ *** فلا كعباً بلغت ولا كلابا ". أهـ
وقال أبو هلال العسكري ـ [ المتوفى سنة 395هـ = 1005م ] في كتابه " ديوان المعاني " ـ :
" وقالوا:
قال عبد الملك بن مروان للفرزدق وجرير والأخطل : من أتاني منكم بصدر هذا البيت : " والعود أحمد " ، فله عشرة آلاف درهم .
فما كان فيهم مجيب ، فأدخل أعرابي من عذرة إليه ، فأنشده:
فإن كان مني ما كرهتَ فإنني *** أعودُ لما تهواهُ والعودُ أحمدُ
قال : لم تصب ما أردت .
فأنشد:
وأحسن عمرو في الذي كان بيننا *** فإن عاد بالإحسان فالعودُ أحمدُ
فقال عبد الملك: أحسنت، ولكن لم تصب ما أردت .
فأنشد:
جزينا بني شيبانَ قِدماً بفعلهم *** وعُدنا بمثل البدءِ والعودُ أحمدُ
فقال: هذا طلبت.
ثم قال: أخبرني عن أهجى بيت قالته العرب.
قال: قول جرير:
فغضَّ الطرفَ إنك من نميرٍ *** فلا كعباً بلغتَ ولا كِلابا
ولو وضعت فِقاحُ بني نميرٍ *** على خَبثِ الحديدِ إذاً لذابا ". أهـ
وفي موضع ثاني من الكتاب :
" ولو قيل: إن أهجى بيت قالته العرب قول الفرزدق لم يبعد وهو:
ولو تُرمى بلؤم بني كليبٍ *** تجومُ الليلِ ما وضحتْ لساري
ولو يُرمى بلؤمهم نهارٌ *** لدنَّسَ لؤمهُم وضحَ النهارِ
وهذا مثل قول الآخر:
ولو أنَّ عبدَ القيس ترمي بلؤمها *** على الليل لم تبدُ النجومُ لمن يرى
وقالوا : أهجى بيت قالته العرب قول الأعشى:
تبيتونَ في المشتى ملاءً بطونكم *** وجاراتكم غرثَى يبتنَ خمائصا ". أهـ
وذكر في موضع ثالث من الكتاب أنه :
" وقالوا: أهجى بيت قالته العرب قول الحطيئة في الزبرقان بن بدر:
دَعِ المكارِمَ لا تَرْحلْ لبغيتها *** وأقعد فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسي
وأخبرني أبو أحمد، سمعت بعض الشيوخ يقول:
اجتمع مطيع بن إياس ويحيى بن زياد وحماد عجرد وجعفر بن أبي وزة ، في مسجد الكوفة ، فامتروا في أهجى بيت قالته العرب , ثم اتفقوا على قول الفرزدق في جرير:
أنتم قرارةُ كل ّ معدنِ سَوءةٍ *** ولكلِّ سائلةٍ تسيلُ قرارُ
وقال أيضا :
"وقالوا: أهجى بيت قالته العرب قول الأخطل لجرير:
ما زال فينا رباطُ الخيلِ معلمة *** وفي كليبٍ رباطُ اللؤمِ والعارِ
قومٌ إذا استنبحَ الأضيافَ كلبهم *** قالوا لأمهم: بولي على النار ِ ". أهـ
وقال أيضا :
" وقالوا بل أهجى بيت قالته العرب قول الطرماح :
تميمٌ بطرقِ اللؤمِ أهدى من القطا *** ولو سلكت سُبلَ المكارمِ ضلْتِ
وقال بعض الشيوخ : لو أن هذا البيت لجرير أو لمن في طبقته ، لحكم على جميع ما في معناه وبعده , وهو أبلغ ما قيل في الاحتقار والتقليل والجبن :
ولو أن حرقوصاً على ظهرِ نملةٍ *** تشدُّ على صفي تميمٍ لَوَّلتِ
ولو جمعت يوماً تميمٌ جُموعَها *** على ذرةٍ معقولةٍ لاستقلتِ
ولو أنَّ أمَّ العنكبوتِ بنتْ لها *** مظلتها يومَ الندى لاستظلتِ
ولو أنَّ برغوثاً يزقق مسكه *** إذا نهلت منه تميم وعلتِ ". أهـ
وقال أبو المعالي محمد ابن حمدون ـ [ المتوفى سنة 562هـ = 1167م ] , في كتابه " التذكرة الحمدونية " :
" وقال الأخطل : واسمه غياث بن غوث من بني تغلب :
ما زال فينا رباط الخيل معلمةً *** وفي كليب رباط الذل والعار
النازلين بدار الذل إن نزلوا *** وتستبيح كليب حرمة الجار
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم *** قالوا لأمهم بولي على النار
وهذا أهجى بيت قالته العرب ، فإنه مع ما وصفهم به من اللؤم والدناءة وابتذال الأم , جعل نارهم ضئيلة حقيرة تطفئها البولة ". أهـ
وقال شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري ـ [ المتوفى سنة 733هـ = 1333م ] ـ , في كتابه " نهاية الأرَب " :
" وقالوا أهجى بيت قالته العرب قول الطرماح:
تميمٌ بطرق اللؤم أهدى من القطا ***ولو سلكت طرق المكارم ضلت
وقيل أهجى بيت قالته العرب قول الأعرابي :
اللؤم أكرم من وبرٍ ووالده *** واللؤم أكرم من وبر وما ولدا
قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا*** من لؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا ". أهـ
وقال بهاء الدين العاملي ـ [ المتوفى سنة 1031هـ = 1632م ] , في كشكوله ـ :
" يقال : أهجى بيت قالته العرب قول الأخطل :
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم *** قالوا لأمهم بولي على النار
ضيقت فرجها بخلاً ببولتها *** ولم تبل لهم إلا بمقدار
قال الصفدي: اشتمل قوله : قوم إلى آخره ...على معايب :
ـ أولها : أنهم لا يعطون للضيف شيئاً حتى يرضى بنباح كلابهم فيستنج منها .
ـ وثانيها : إن لهم نار قليلة لفقرهم تطفى ببول امرأة .
ـ وثالثها : أن أمهم تخدمهم فليس لهم خدم غيرها .
ـ ورابعها : أنهم كسالى عن مباشرة أمورهم حتى تقوم بها أمهم .
ـ وخامسها : أنهم عاقون لوالدتهم بحيث أنهم يمتهنونها في الخدمة .
ـ وسادسها : عدم أدبهم لأنهم يخاطبون أمهم هذه المخاطبة التي تستحي الكرام الإلتفات بها .
ـ وثامنها : أنهم جبناء لا يرقدون لأنهم مستيقظون يسمعون الحس الخفي من البعد .
ـ وتاسعها : قذارتهم لأنهم لا يتألمون بما يصعد من رائحة البول إذا وقع في النار .
ـ وعاشرها : إلزام والدتهم بأن لا تبول لهم إلا بمقدار وتدخر ذلك لوقت الحاجة إليه , وإلا فما كل وقت يطلب الإنسان الإراقة يجدها فتجد لذلك ألماً ومشقة من احتباس البول .
ـ حادي عشرها : إفراطهم في البخل إلى غاية يشفقون معها على الماء أن تطفي به النار ". أهـ بتصرف
و ذكر أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي ـ [ المتوفى سنة 1103هـ = 1691م ] ـ في كتابه " المحاضرات في الأدب واللغة " , وتحت عنوان "أهجى بيت قالته العرب " ـ , حيث قال :
" أهجى بيت قالته العرب قول الأعشى:
تبيتون في المشتى مِلاءٍ بطونكم *** وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
وقيل: قول الأخطل:
قوم إذا نبح الأضياف كلبهم *** قالوا لأمهم: بولي على النار
فتمسك البول بخلاً أن تجود به *** فما تبول لهم إلاّ بمقدار
وقيل: قول حسان رضي الله عنه:
لا بأس بالقوم من طول ومن قصر *** جسم البغال وأحلام العصافير
وقيل: قول زياد الأعجم:
قالوا الأشاقر تهجوني فقلت لهم *** ما كنت أحسبهم كانوا ولا خلقوا
وقيل: قول أوس:
لعمرك ما تبلى سرابيل عامر *** من اللؤم ما دامت عليها جلودها
وقيل: قول الطرماح:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا *** ولو سلكت سبل المكارم ضلت
وقيل: قول الفرزدق:
أنتم قرارة كل معدن سوأة *** ولكل سائلة تسيل قرارُ ". أهـ
ومما يلحق بهذا ما ذكره أبو هلال العسكري في كتابه " ديوان المعاني ":
" عن يونس ، قال :
قال عبد الملك بن مروان يوماً وعنده جلساؤه : هل تعلمون أهل بيت قيل فيهم شعر , ودوا أنهم افتدوا منه بأموالهم ، وشعر لم يسرهم به حمر النعم؟
فقال أسماء بن خارجة : نحن يا أمير المؤمنين .
قال : وما قيل فيكم ؟ .
قال قول الحارث بن ظالم :
وما قومي بثعلبة بن سعدٍ *** ولا بفزارة الشعر الرِّقابا
فوالله يا أمير المؤمنين، إني لألبس العمامة الصفيقة، فيخيل لي أن شعر قفاي قد بدا منها.
وقول قيس بن الخطيم :
هممنا بالإقامةِ ثم سرنا *** مسيرَ حُذيفة الخيرِ بن بدرِ
فما يسرنا أن لنا بها أو به سود النعم.
فقال هانىء بن قبيصة : أولئك نحن يا أمير المؤمنين .
قال ما قيل فيكم؟ .
قال قول جرير:
فغضَّ الطرفَ إنك من نميرٍ *** فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا
والله لوددنا أننا افتديناه بأملاكنا .
وقول زياد الأعجم :
لعمرك ما رماحُ بني نميرٍ *** بطائشة الصدور ولا قصار
فوالله ما يسرنا به حمر النعم.
قال أبو بكر وذكر أن جريراً لما قال :
والتغلبيُّ إذا تنحنحَ للقرى *** حكَّ استهُ وتمثَّلَ الأمثالا
قال: قد قلت بيتاً فيهم لو طعن أحد في استه لم يحكها.
وأخبرنا أبو القاسم، عن العقدي، عن أبي جعفر، عن المدائني، قال: مرت امرأة ببني نمير فتغامزوا إليها .
فقالت: يا بني نمير لم تعملوا بقول الله تعالى ولا بقول الشاعر .
يقول الله تعالى: <قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم >.
ويقول الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير ... ( البيت )
فخجلوا وكان النميري إذا قيل له ممن أنت؟
قال : من نمير .
فصار يقول : من بني عامر بن صعصعة ".أهـ
ـ المراجع :
ـ الأغاني : الأصفهاني .
ـ التذكرة الحمدونية : ابن حمدون .
ـ العقد الفريد : ابن عبد ربه الأندلسي .
ـ الكشكول : بهاء الدين العاملي .
ـ المحاظرات في الأدب واللغة : اليوسي .
ـ المصون في الأدب : أبو أحمد العسكري .
ـ ديوان المعاني : أبو هلال العسكري .
ـ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء : ابن حبان البستي .
ـ موسوعة الشعر العربي : المجمع الثقافي 2003 .
ـ نهاية الأرب : شهاب الدين النويري .