ذكرى و تأمل ـ2ـ
تذكرت صديقا عزيزا أعرفه وأعرف حاله جيدا , كان في أسرة تعاني مشاكل كثيرة , لم أعني بالمشاكل الفقر و موضوع المال , أو البطالة والتقاعد الذي يسبق العمل , فصاحبنا عكس التيار يتقاعد وإن كان هناك فائضا في مناصب العمل بالطبع سيستدعى لها , وهذا كما تعلم الأمر المستحيل , أو مشكلة الأيام التي تشبه بعضها البعض , حتى أن الإنسان من مشكل الروتين يستعين بصديق في بعض الأحيان إن لم تكن أكثرها في تذكر اسم اليوم الذي فيه !!!
إن شئت سميه الزهايمر ( الخَرَف وهو مرض يصيب في أغلبه الشيوخ وكلما زاد عمر الإنسان زاد نسبة الحدوث به ) الذي تقول عنه أمريكا أنه داء العصر , لأن مجتمعها مجتمع شيخوخي , أو نسبة الشيخوخة عالية فيه , حيث يسكن أمريكا الملايين ممن تعدّ عمرهم الخمسة والستين سنة .
ولا يفهم من هذا أن صديقي بلغ من العمر عتيا فبينه وبين قول الشاعر:
إن الثمانين وبلّغتها **** قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
أجيال وأجيال ـ نعم أقصد من أيام قصته هذه ـ , وذلك بعد أن تخطى مرحلة صعبة يولد الإنسان فيها مصابا بمرض التوحد وهو مرض يصيب الأطفال وحتى المولودين حديثا وكلما زاد العمر قلت نسبة الإصابة به ), وأنا متأكد أن صديقنا هذا , تلك الظروف وَحّدته لكن والحمد لله شفي منها , غير أن الظروف أسلمته كما قلت لك للزهايمر , حسب تقديري أنا , تلك المشاكل كما يطلق عليها هي المشاكل الاجتماعية .
ـ الظروف والبيئة التي نشأ فيها:
ولد صديقي حيث سبق للدنيا كل العائلة , إذن هو أصغر القوم , ونحن كما تعلم في مجتمع كبر كبر , كبر كبر في المأكل والمشرب والملبس , وفي الحقوق الاجتماعية والمالية والتربوية وغيرها ...وغيرها ...
وعائلة كلها تعاني من ارتفاع حرارة مفاجئة فإن لم يغضب الأب , غضبت الأم , وإن لم تغضب الأم , كان دور كبير الأخوة , وهكذا فالصيف مفاجئ عندهم! .
إن كانت كتب التاريخ تقول ـ وهو التقسيم الطبيعي حتى تقوم الدول وتستمر الحياة ـ :
أن دكتاتوري العالم وُجد كل واحد في بلد , فإن كل العائلة تمتهن مهنة الدكتاتورية الداخلية , حتى أنه و الحمد لله توفر أبناء الإخوة حتى يمارس صديقنا , والذي هو أصغر القوم هذه المهنة وعلى لهجة إخواننا المصريين:" ما انت كريم يا رب ".
كثير من...الـ..؟ , من الـ...! , من الـ...؟! , كيف أسمها لم أجد لها اسما أو مصطلحا رغم أني سألت من تواجد حولي ساعة كتابة هذه السطور , كالأمل والحلم وتحقيق الحلم , وحب الحياة , وغيرها من المسميات التفاؤلية , لم وأجزم بغيرها من أدوات الجزم والتأكيد وما يصب في هذه الخانة من الأيمان المغلظة , أنها لا توجد في قاموس العائلة .
ـ اللغة المتداولة داخل الأسرة:
إذا كان للشعر أغراض كثيرة , فالشعراء نضموا في الفخر والحماسة والمدح والرثاء والعتاب والغزل وغيرها من أغراض الشعر , وإذا أبو الطيب المتنبي قال: " إذا كان مدح فالنسيب مقدم " , فهذه الأسرة عارضت قول المتنبي وقالت : " إذا كان الهجاء فالأسرة أول " , فاستعملت فيما بينها لغة الحطيئة الذي زعموا فيه أنه لما لم يجد من يهجوه هجا نفسه , و نقائض جرير والفرزدق وابن الرومي , ولغة الحجاج وعبد الله بن زياد .
حتى أني مرة أكرمني الله فيها كنت معه فحضرت مساجلة دارت بينه وبين أحد أفراد العائلة , حيث طلب من صاحبنا أن يحضر له شيئا لم يعرفه وكما تقول المقولة " الإنسان يولد جاهلا " , وكما يقول العلماء:" نصف العلم لا أعلم" , لكن صديقنا أمام حرج الموقف وحسب ما أملت عليه فطنته أحظر شيئا آخر , وعينك ما تشوف إلا النور , لولا رقة شعورك لأسمعتك ما كان رده , غير أني أقول لك بعد انتهاء المساجلة قمت بعملية رياضية سهلة , الناتج كان أن العائلة تملك أعصابا من حديد , وأن غيره لو كل يوم يسمع كلاما مثل هذا وفي موقف مماثل لما جرى لصديقي , لا يزيد عن سبعة أيام يصاب بجلطة قلبية , إن لم أبالغ في الأيام السبعة , والنتيجة تكون أقل .
خلاصة الكلام في بيئة صديقنا وظروفها , إنها بيئة تساعد على التشجيع للهجرة خارج الأسرة .
وهو ما حصل مع صديقي المسكين .
حاول إيجاد ما فقده في الأسرة الكريمة بالمجتمع الذي هرب إليه لكن تفاجأ أن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع .
هذه هي قصة صديقي العزيز الذي أعرفه وأعرفه جيدا باختصار مفيد مخافة أن أثقل عليك , فلو أحسست منك الإصغاء إلى قصته في مجتمعه لقصصتها عليك .