بينما أنا أشرب الشاي أمس تذكرت رسالة كتبتها يوما ما ـ وأنا من عادتي إذا كتبت رسالة أحتفظ بنسخة لي منها ـ, حوالي منذ ثمان سنوات لصديق حميم وقتها , وأقول وقتها فهو عندي الآن مثل ذلك الوقت لكن بعد ذكر موضوع الرسالة أتحدث عن حميمية صديقي وما الذي جعلني أقول ذا الكلام .
استخرجت الرسالة التي كتبت ولم ترسل , فحين فتحتها أورثت ذكرى جميلة , وفرحة عابرة , وحزنا خفيفا , وفكرا ملء اسئلة , هممت بنشر هذه الرسالة ليقرأها من يقرأها , ويجيب عن سؤالي الذي طرحته عن نفسي , فقلت: هل من يقرأ الرسالة يحس بنفس الإحساس الذي أحس به الآن؟ .
لكن الذي منعني من ذلك أن فيها ذكر بعض الأمور التي تعرفني لبعض من يقرؤها ممن أعرفهم , وكما تعلمون أن البشرية جمعاء على شبكة المعلوماتية الوهمية الكل يتوجس خيفة من هذا الجانب , والإنسان يحب بعض الخصوصية ولا يحب أن يطلع عليها إلا القليل .
وهممت كذلك بتغيير بعض تفاصيل الرسالة , لكن أحسست أن في هذا التصرف تغيير لمفهوم الرسالة , وأنها لم تبقى على أصلها , فتذهب منها حلاوتها وطلاوتها على أقل تقدير حسب أحساسي أنا عندما أطلع عليها بعد هذا التبديل .
أما الذكرى الجميلة التي منحتني إياها , فقد ذكرتني أياما كنت نسيتها بعض الوقت , حتى أن في الرسالة ذكر بعض التفاصيل لعل القارئ يراها حشوا في الكلام ولا طائل من ورائها , أما كاتبها فبالعكس من ذلك يرى حلاوتها في ذلك الحشو وتلك التفاصيل التي لا طائل من ورائها .
أما الفرحة العابرة فتمثلت في استرجاع ذكريات مرت , واسترجاع صداقة مع أشخاص قبلتهم , تعرفت على بعضهم , و خالطت بعضهم الآخر في المأكل والمشرب والمبيت , هل يسمح الزمان بلقياهم؟ .
أما الحزن الخفيف فهو يشبه قول الشاعر : كانت الأيام بعمري دموع تجري , وهي كما قال ما مر علي في تلك الأيام الآن أعدها أياما من العمر الذي مضى , وتحسب من الضروف التي كونت شخصيتي , على قول علماء الإجتماع , والإنسان بطبعه يحزن على الأيام التي تذهب ولا تعود .
أما الفكر والأسئلة التي وردت على عقلي فهي كثيرة , وهذا ما أستسمحك عذرا أن أحتفظ به لنفسي , كما قلت لك الإنسان يحب بعض الخصوصية في أموره كلها .
وأعود الآن إلى أول الرسالة وما ذكرت من قولي في حيرتي من حميميتي لصديقي , فأنا صادق فيما أخبرك به أنا محتار هل أنا الآن أكن لصديقي هذا الود نفسه الذي كان قبل رحلتي تلك ورسالتي هذه ؟ أم بقي الأسم وذهب المعنى ؟ , هذا ما أبحث له عن إجابة , وأتمنى أن تساعدني .
فبعد عودتي من رحلتي تلك والتي دامت عامين , ألتقيت بصديقي وأحسست بتغير خفيف تجاهه كذلك هو أحسست منه نفس الإحساس , وقضيت عطلة ثم عاودت السفر وغبت كذلك مدة عامين أخريين فعند لقائي به لم أحس أنه فلان الذي أعرفه , والذي لم يكن يفرق بيننا غير الليل , سبحان مغير الأحوال .
هذه قصتي مع رسالتي . مراد رضا