نص الموضوع : هل كل معرفة إدراكية مصدرها الإحساس؟
المقدمة : أكيد أن علاقة التأثير و التأثر الموجود بين الإنسان و العالم الخارجي تفرض على الإنسان التعرف على هدا العالم ومن اجل تحقيق دلك لا يمكنه الاستغناء على عملية الإدراك كعملية عقلية تتمثل في حصول صورة الشيء في الدهن مستقل عن مادته. و قد أكد بعض الفلاسفة على أن المعرفة التي تعطينا اياها الحواس لا تختلف عن المعرفة الإدراكية في حين البعض الأخر أكد على أن المعرفة الإدراكية معرفة مستقلة عن الحواس و متميزة عنها و من هنا وجب أن نتساءل : هل يمكن التميز بي الإحساس و الإدراك؟
التحليل:
*إن أتباع النظرية الجشطالتية و هي نظرية في علم النفس المعاصر يرون انه لا يمكننا التميز بين الإدراك و الإحساس حيث أن المعرفة الإدراكية مصدرها الموضوع المدرك عن طريق الحواس فالإدراك حسبهم هو إدراك لمجموعة من الصور الحسية بشكل منظم و شامل ومن بين الدين يدافعون عن هدا الطرح الفلسفي نجد بول غيوم.
إن الصور الإدراكية الموجودة في الدهن لا تضاف إلى المعطيات الحسية بل هي محايثة لها و معطاة معها في آن واحد فالأشياء تتمايز وفقا لبنياتها الخاصة على خلفية مثال دلك مجموعة من النقاط على خط مستقيم فإننا هنا لا يمكننا ان ندرك كل نقطة على حدا بل ندركها وفقا لبنيتها العامة و ودمى تقارب النقاط فيما بينها. و بهدا فان الإدراك حسب الجشطالت يخضع لمجموعة من العوامل الموضوعية أهمها :
-عامل التقارب : حيت أن الأشياء المتقاربة تتقدم للمدرك كأنها صيغة واحدة
-عامل التشابه : ا دان المثيرات المتشابهة في اللون أو الحجم أو الشكل تظهر على أنها صيغ أو أشكال مستقلة لان عامل التشابه يجعلها تستدعي بعضها البعض
- عامل الشكل و الأرضية:
وقد قال بول غيوم" إن نظرية الجشطالت تسلم بان الصورة أو الشكل هو المعطى الأول و لا توجد مادة بدون شكل"
ومن الأدلة كذلك التي تدعم هدا الطرح هي أن علم نفس الطفل أتبث أن الطفل مند الشهر الرابع بعد الولادة يحاول القبض على الأشياء تحث توجيه البصر وهدا يوحي بان نضج الاقترانات العصبية هي التي تساعد الطفل على توجيه العين و اليد نحو الاشياء وبهدا فان الادراك و الإحساس شيء واحد فعملية الإدراك تابعة للبنية الموضوعية للأشياء المدركة عن طريق الحواس
إن هده النظرية أهملت دور العقل في عملية الإدراك وجعلت منه مجرد جهاز استقبال غير فعال فالعقل هو الذي يعطي للمعطيات الحسية صورها عن طريق حكم يصدره. و إلا كيف نفسر الخلل الذي يطرأ على عملية الإدراك عند إصابة الجهاز العصبي للإنسان وقد أهملت هده النظرية دور العوامل الذاتية في عملية الإدراك كالعواطف و الاهتمامات و إلا كيف نفسر اختلاف الناس في إدراك الشيء الواحد؟ و دور الخبرة و التجربة كما أكد بيرون بقوله" إن دور الخبرة أساسي في تأويل التنبيهات الحسية"
*إن هده النظرية ( العقلية) أن العقل هو مصدر المعرفة الإدراكية لدا يجب التمييز بين الأشياء الممتدة ( الحسية) وبين الإدراك الذي يكون عن حكم يصدره العقل على هده الأشياء.
حيث دهب ديكارت إلى التمييز بين الأفكار كأحوال نفسية موجودة في الذات و بين الأشياء التي هي امتدادا لها و إدراك الشيء يكون وفق أحكام يصدرها العقل وعليه فالإدراك المكاني عمل عقلي بحت.
وقد أكد باركلي مند بداية القرن الثامن عشرة أن " تقدير مسافة الأشياء البعيدة جدا ليس إحساسا بل حكم مستند إلى التجربة" حيث أن الأكمة ادا استعاد بصره بعد عملية جراحية لا يكون لديه أية فكرة عن المسافة البصرية فالشمس و النجوم و اقرب الأشياء و أبعدها تبدوا له جميعا موجودة في عينه و جاءت أعمال الجراح الإنجليزي شيزلندن فيما بعد عشرون سنة تؤكد صحة دلك.
و قد بين لنا ألان أننا لا ندرك الأشياء كما تعطينا إياها حواسنا فمثلا لا نرى من المكعب إلا تسعة أضلاع من أضلاعه الاتنى عشرة وثلاثة أوجه من أوجهه الستة و ع هدا فإننا ندركه مكعبا لأنه شيء معقول و ليس محسوس فالحواس تخدعنا. و في هدا يقول ألان " الشيء يدرك و لا يحس"
لقد أهملت هده النظرية دور العوامل الذاتية في عملية الإدراك فالعقل يستمد صوره من الموضوعات الخارجية هده الأخيرة التي تتميز بصفات و كيفيات حسية تساهم جميعها في عملية الإدراك ثم إن الحجة التي قدمها باركلي غير مقبولة لان العملية الجراحية لا تجرى على العينين معا و إنما على عين واحدة وهدا ما يجعل المريض يخطئ في تقدير المسافات.
* يرى ميرلوبونتي ( النظرية الظواهرية) أن الإدراك غير تابع لا للموضوع المدرك و لا للعقل و إنما يتوقف على الشعور فنحن ندرك الأشياء كما تبدو للشعور فالشعور بها هو الذي يساعدنا على إدراكها. لدا فالإدراك عندهم هو امتلاك المعنى الداخلي للشيء المحسوس و تجربة حيوية نفسية يعيشها الإنسان.حيث يقول " الإدراك هو دلك الاتصال الحيوي بالعالم الخارجي"
الخاتمة: المعرفة الإدراكية تتوقف على التكامل بين العوامل الموضوعية و العوامل الذاتية في تابعة للموضوع المدرك و للعقل الذي يقوم بتأويله و إصدار الأحكام عليه إضافة إلى تأثير الشعور و الحالة النفسية للانسان.