سوق تعدت شهرته حدود الوطن وأخذ التسمية من عبارة السوق الحرة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]منذ
الحقبة الاستعمارية يعرف على مدينة العلمة أنها منطقة تجارية وكأن
بأولادها ولدوا للتجارة ومن أجلها لا غير، هذه الميزة جعلت من المدينة قطبا
تجاريا هاما، وأصبح في ظرف زمني قياسي مقصدا للتجار من مختلف ربوع الوطن
يستهوي الزبائن من جميع الأقطار، بعدما تفنن أبناء المدينة في بناء هذا
الصرح بتقاليد فرضتها العقلية التجارية التي ميزت ناس العلمة ومكنتهم من
اختراق الحدود والمتاجرة بما هو موجود وغير موجود...
ولذلك نقول أنه من غير المعقول أن تحج إلى سطيف ولا تقصد مدينة العلمة
أو"سانت آرنو" كما تعرف بالمنطقة، فبمجرد ذكر مدينة العلمة إلا وكان الحديث
عن شارع دبي، أوالسوق اليومية للمدينة الذي تعدت شهرته الحدود الجغرافية
للوطن، كيف لا وأن هذا السوق أصبح مقصدا حتى من قبل أشقائنا التونسيين
والليبيين، هذا السوق اليومي بمثابة رئة المدينة من الناحية الاقتصادية،
تقتات منه الآلاف من العائلات من داخل وخارج المدينة، بحيث يشهد أكبر سيولة
مالية باعتراف أهل المهنة والاختصاص..
هذا القطب لم يخلق صدفة بل يعتبر صورة لتراكمية تجارية عاشرت أهل العلمة
منذ السنين الغابرة حيث اشتهروا بتجارتهم التي رضعوها منذ الصغر فخلقوا
لأنفسهم أسواقا بلغ صيتها الأفاق وتمكنوا من تشييد الإمارة التي بدأت
رحلتنا بها ليلا قبل النهار..
البيع والشراء نهارا وليلاعقارب الساعة تشير إلى العاشرة ليلا، عندما بدأت مجموعات من الشباب تجتمع
عند المدخل الغربي للمدينة في انتظار دخول الحاويات التي تعودت عليها مدينة
العلمة كل ليلة وهي عملية تتطلب درجة عالية من الترصد لما يكتنفها من
تنافس بين المجموعات الشبابية التي نصبت كل واحدة رئيسا تعرف باسمه، وبعد
حوالي ساعة من الانتظار انبعثت حركة غير عادية وصراخ كسر سكون وهدوء
المدينة، الكل يركض في مختلف الاتجاهات " إنها شاحنة من نوع "سيمي" تدخل
المدينة بها حاويتين وقد أُرغمت على السير ببطء لأن "الحمّالة"عرقلوا سيرها
وانقضوا عليها من أجل الظفر بعملية التفريغ التي ينجر عنها مدخول يصل إلى
8000 دج للحاوية، محاولة هؤلاء باءت بالفشل لأن الفريسة انقضت عليها جماعة
كانت تنتظر خارج المدينة بحوالي 03 كم لكن الأمر لا يهم فالبقية عليها
انتظار الشاحنة الموالية مثل ما جرت العادة والكل سيسترزق من الحاويات، هذا
المشهد يتكرر كل ليلة في شارع دبي، بحيث أصبح مصدر رزق للكثير من الشباب
البطال الذي يفضل دبي العلمة عن أي عمل لما له من دخل وفير..
دبي .. إمارة انتقلت من خليج العرب لتحط بالشرق الجزائري دخول الحاويات بهذا العدد الكثيف يوحي بالطبيعة التجارية التي تميزت بها
مدينة العلمة، التي أصبح سوقها اليومي أحد واجهاتها التي تستقطب يوميا مئات
التجار والزبائن والعائلات من مختلف ولايات الوطن..
قصة دبي أوالشارع كما يعرف لدى أبناء العلمة، تعود إلى سنة 1991 عندما
أنجزت شركة "جيني سيدار" سكنات فخمة بطابقين ومحلات سفلية حولها تجار
المدينة إلى منطقة تجارية مختصة في المواد المستوردة والمحلية بمختلف
أنواعها، ومن يومها عرف الشارع تزايدا مذهلا في عدد المحلات والتي وصل ثمن
كرائها إلى 15 مليون سنتيم شهريا وكان لذلك أثره على سعر العقار بالمنطقة،
حيث يزيد ثمن قطعة أرض مساحتها 200م عن ملياري سنتيم ويعد ذلك مشروعا
استثماريا يدر الملايين، بهذه الطريقة نشأت دبي في العلمة وفي فترة وجيزة
تحولت إلى قلعة تجارية تستهوي حتى الذين لم يمارسوا التجارة من قبل فأصبحوا
بفضل دبي تجارا بأتم معنى الكلمة.
السوق بدأ سنة 1991 والتسمية حديثةوبالنسبة للتسمية فأصلها يعود إلى إمارة دبي كون معظم التجار يستوردون
بضائعهم من الإمارات العربية المتحدة التي أصبحت تربطهم بها علاقة حميمة
واتخذوا منها أيضا منطقة عبور للسلع التي يستوردونها من دول آسيا بل إن من
أبناء المدينة من استغلوا هذه العلاقة وتمكنوا من فتح مكاتب عبور بالإمارات
والصين الشعبية وأصبحوا معروفين بتمر يرهم للبضائع التي يصنعها الجنس
الأصفر التي فاقت كل التوقعات في تنوعها وضآلة تكلفتها مقاربة بما يستورد
من أوروبا..
وإذا كان البعض يتحدث عن وجود أكثر من ألفي تاجر بهذا الحي، فإن إحصائيات
2009 فإن رقم الأعمال يزيد عن 10 آلاف مليار سنتيم وتقدر الضرائب التي
يدفعها تجار شارع دبي بقرابة 700 مليار سنتيم ولذلك فالحي وحده يشكل 34% من
المداخل الضريبية لولاية سطيف و74% من مدا خيل العلمة..
كل شيء متوفر ... بالتجزئة وبالجملة ..كل شيء تفكر فيه أويخطر على بالك تجده في دبي، كل أنواع السلع متوفرة سواء
بالجملة أوبالتجزئة والشارع يعرف يوميا حركة نشيطة إلى درجة الازدحام خاصة
أن أزقة الحي تعرف تداخلا غير منتظم لا تراعى فيه نوعية ولا طبيعة
المنتجات، وسط هذه الزحمة أضحت المنطقة أشبه بالمدينة التي استقلت بمطاعمها
ومقاهيها ومراحيضها العمومية يقضي فيها التجار الزوار الذين يأتون من
مناطق بعيدة عدة أيام من اجل اقتناء حوائجهم والتي تقدر قيمتها بمئات
الملايين وقد أصبح الحي قبلة وطنية تؤكدها لوحات ترقيم السيارات والشاحنات
التي جاءت من مختلف الولايات. مما فتح الشهية حتي لبائعي
"الكاسكروط"والمحاجب" والفول السوداني..
اندثار العشوائية ودخول مرحلة التنظيموعكس السنوات الأولى الذي اشتهر فيها سوق دبي، أين كانت التجارة فوضوية
نوعا ما، عرف الشارع خلال السنوات القليلة الماضية تنظيما من قبل التجار،
بحيث أصبح كل حي يختص في تجارة معينة، فهذا حي خاص بتجارة الأدوات
الكهرومنزلية، وآخر في الأثاث، من الجانب الآخر نجد تجارة الهواتف النقالة
وملحقاتها وأجهزة الكمبيوتر وما تبعها، وهناك حي يختص أصحابه في تجارة
الألبسة بمختلف أنواعها، وهذا حي خاص بألعاب الأطفال يقابله من الجهة
الأخرى تجار الأدوات المدرسية، بمحاذاته تجارة الأدوات الكهربائية ومعدات
البناء، المهم كل شيء موجود بالعلمة إلى أمك وأبوك لن تجدهم هناك..
الوجهة الأولى لتجار دبي كانت آسيا حيث كثر التعامل مع الصين وكوريا
وتايوان وإندونيسيا، بل أن كثرة التعامل مع الصين جعلت تجار العلمة من
المداومين على المشاركة في المعرض الدولي لمدينة "قرا نزو" الصينية الذي
يستقطب تجارا كبارا من مختلف بقاع العالم. كما سبق لبعض التجار والصناعيين
الصينيين أن زاروا مدينة العلمة عدة مرات لعرض منتجاتهم التي تلقى رواجا
ببلادنا، لكن هذه الوجهة بدأت في التراجع في الآونة الأخيرة بعدما لاحظ
التجار بأن السلع المستوردة من آسيا تظل مكدسة بالميناء وتفرض عليها
إجراءات بيروقراطية معقدة، أرغم التجار على تحويل القبلة باتجاه دول أخرى
لاسيما الأوروبية منها، خصوصا فيما تعلق بسلع المواد الكهرومنزلية
والكهربائية والخردوات، هذه النقلة سمحت بتنامي عقلية التعامل مع المنتوج
فالكل هنا أصبح يفرق بين ما هوأصلي وما هو"تايوان"، هذا الأخير الذي اشتهرت
به السلع الأسيوية حيث يقوم بعض التجار باقتناء منتوج أصلي ينقل إلى آسيا
لإعادة تصنيعه بنفس الشكل لكن بجودة أقل ليعاد إدخاله إلى السوق بثمن
بخس..
وبالرغم من تنوع المنتجات المستوردة وكثرتها إلا أن بعض السلع المحلية
مازالت تحظى بمكانة خاصة بشارع دبي كما هو الشأن بالنسبة للأسلاك
الكهربائية المحلية التي تعتبر أفضل من تلك المستوردة من الصين أوتركيا
نظرا لجودتها..
تنافس حامي الوطيس بين التجاروبقدر ما يعرف تجار دبي بعضهم بعضا بقدر ما يوجد بينهم تنافس شديد خاصة عند
استيراد نفس المنتوج، وهي العملية التي كثيرا ما تسببت في خسائر لدى البعض
حيث يلجأ التجار الكبار في بعض الأحيان إلى" كسر السوق" مما يكون له أثره
البالغ على التجار الصغار الذين لا يستطيعون الصمود أمام عمالقة التجارة
الذين لديهم فروع في كل جهة بما فيها منطقة الحميز بالجزائر العاصمة التي
كانت أيضا محل غزومن طرف تجار العلمة الذين يركزون على الجانب الكمي الذي
يسمح بالاستيراد بأسعار منخفضة تضاف إليها قيمة ربح ضئيلة للتخلص من
المنتوج في أقرب وأسرع وقت، وقد أدى هذا التنافس الشديد بدبي إلى انخفاض
هامش الربح إلى أن بلغ "عشرة دور" على حد تعبير أحد التجار في بعض الأحيان
كما هوالشأن مثلا بالنسبة للغراء المستورد من الصين