مفهوم الفلسفة.الفلسفة لفظة يونانية الأصل، تسللت إلى اللسان العربي في وقت مبكر حتى عدت واحدة من الكلمات المولدة، وأصلها لفظتان هما (فيليا) ومعناها الحب (وصوفيا) ومعناها الحكمة ( فينكس،1965). ويعرفها البعض بأنها: " البحث عن الحق والحقيقة، أو محاولة معرفة الموجودات على ما هي عليه بقد الإمكان، أو أنها التساؤل عن قيمة كل ما يحيط بالإنسان في الكون والحياة، أو هي العلم الذي يبحث في الحقائق والمبادئ المتصلة بطبيعة الكون والحياة والإنسان وبوجود خالق الكون والحياة والإنسان" ( الشيباني،1978م، ص14). ويرى ابن رشد أنها النظر في الموجودات نظراً يقوم على البرهان (العراقي،1410هـ).
وللفلسفة مناهج كثيرة مثل منهج الشك والمنهج العقلاني، والمنهج التحليلي وغيرها من المناهج، و بالنظر إلى مفهوم الفلسفة العام وفقاً لما تورده كثيرٌ من الدراسات، ووفقاً لما تحدده مصادره الأصلية الغربية فإن الفلسفة تُعنى بدراسة ثلاثة أمورٍ رئيسية تتمثل في (منظومة القيم، الوجود وأسراره وغاياته،المعرفة وأدواتها ومصادرها)، وتعمل الفلسفة على دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة تفسيرًا عقليًا، كما أن أدواتها لتحديد هذه العناصر الثلاث تتمثل في البحث والتأمل والتحليل العقلي الذي لا يقبل التسليم والقبول دون مناقشة، والتجريب ليس منهجاً ملائماً للفلسفة، كما أن الظنية والشك من ركائز العلوم الفلسفية إذ أنها لا تقرّ الاستمرارية في قناعة أو رأي مهما كان مصدرة.
لماذا لا نستخدم مصطلح "الأسس الفلسفية" في المناهج السعودية؟
أكدت وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية على أن التعليم في المملكة متفرد في انبثاقه من الإسلام منهجاً للفكر وشريعة للحياة، ولذا فلم تتضمن الوثيقة أسساً بمسمى فلسفية انطلاقاً من أن الأسس العقدية تغني عن غيرها، وأن لا حاجة لأسس فلسفية في مجتمع يمتلك التصور الواضح للإنسان والكون والحياة والنابع من عقيدته الإسلامية وتصديقه الكامل بكل ما جاء في كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ويمكن إجمالاً حصر بعض المحاذير من استخدام مصطلح " فلسفية" في مجتمعٍ تنبثق سياسته التعليمية من الدين الإسلامي الحنيف إلى الأسباب التالية:
·أن التبعية في إخضاع قضايا أساسية في المعتقد الإسلامي تحت مظلة مفهوم الفلسفة الذي يعدها نتاج تحليل تأملي بشري قابل للتغير، قد ينعكس سلباً على صفة اليقينية المطلقة التي يجب أن تكون سمة لهذه المعتقدات.
·بناء على الفقرة السابقة فإن تفريغ كلمة الفلسفة من المضامين العقدية يتطلب إعادة النظر في العلاقة بين الكلمة ومدلولاتها، ولذا فإن استخدامها للتدليل على مضامين لا تناقش قضايا في العقيدة قد يخرجها عن مفهوم "فلسفة" إلى مفاهيم أخرى.
·ارتبطت هذه الكلمة (فلسفة) في التأريخ الإسلامي بأمرين أولهما: التبعية الفكرية للإرث اليوناني سابقاً والغربي حاضراً، وثانيهما:التمرد الفكري على النصوص القطعية الثبوت بدعوى التحررية ـ التي هي في حقيقتها انفلات من الضوابط الشرعية التي تشكل حماية العقل المسلم من الخوض في أمورٍ وصفها الإمام ابن تيمية بأنها "لا يفهمها البليد ولا ينتفع بها للبيب".
·النظام التعليمي في المملكة العربية السعودية قائم على بناء التصوّر الإسلام الواضح المنبثق من الكتاب والسنّة لبناء عقيدة ثابتة مستقرة، و تعميق حقائق مطلقة لدى الفرد حول القضايا الكلية مثل الوجود، المعرفة، القيم.. الخ. واعتماد أسس فلسفية جدلية في القضايا الكلية والحقائق المطلقة لا يتماشى مع هذا التصوّر.
·أن سيادة مصطلح فلسفة بمفهومة الغربي يشير إلى أهمية إبراز المفهوم العقدي والاقتصار عليه خاصة في ظل تأكيدنا على أن تكون هوية مناهجنا إسلامية عقائدية شاملة.
بالإضافة إلى ما سبق فإن المشكلة لا تكمن في المصطلح ذاته فقط، بل تنبع أيضًا من الهيكل التنظيمي للمعرفة والفكر الذي تنتمي له، والذي لا يتيح المجال لعالم الغيب أن يوجهه هو نحو عالم الحقيقة، وعليه فإن التفريق بين مفهوم الأسس العقدية والأسس الفلسفية لا يحقق لنا بناءاً منهجيًا ينبثق من معطياتنا الثقافية والحضارية فقط، وتكاملاً واتساقًا بين ما يعتقده ويؤمن به الطالب، بل يُعد خطوة أساسية في التحرر من قيود التبعية الفكرية والمنهجية التي تعيشها نظمنا التربوية والتعليمية كافة