من لا يشكر الناس :
قيمٌ جماليةٌ رائعةٌ فقدناها في حياتنا اليَومية، تناسيناها وهَجرناها، واستَوطنت أمراض الحياة العصرية في نفوسِنا، فلم يَعد الحُب والتواصل والتعاون قائمُ بيننا، بل حل مَحله الحَسد والضَغينة والتَباغض والغَيبة والنَميمة.. لم يَعد الحَنينُ والشَوقُ بين الناس كَما كانَ قديماً ، فقد كان الناس على قلبِ رجلٍ واحدٍ مُتعاونين متحابين تتناغم حياتهم عبر سيمفونية اجتماعية خاصة بهم ، ميزت الأمة الإسلامية العربية الخالدة عن غيرها من الأمم والشعوب ، ولكن بالرغم من صعوبة الحَياة وتَعقيداتها إلا أن الناس لا يَستطيعون الاستغناء عن بعضهم البعض في أيٍ من شئون الحياة ، لذلك فحين يُسدي لَك الآَخرون معروفاً أو يقدمون لك مساعدةً أو تلقى اهتماماً منهم ، فيَجب عَليك أن تَشكرهم وتثني عليهم فهذا أقل القليل بحقهم ، ولنا في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى فقد قال : ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) رواه الترمذي أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، هذه هي عقديتنا ومبادئنا الإسلامية الخالدة التي نشأنا عليها ، وها نحن اليوم نهجرها هجرانا كبيراً ونتمسك بعاداتٍ وتقاليدٍ غربيةٍ بادئةٍ؛ حتى الغَرب نَهلوا من ثقافة إسلامنا العظيم وسبقونا في تطبيق مبادئه السامية ، أما نَحن فمازلنا نحيا في سبات عميق ونُجاري الآخرين في سفاهتهم وسوء خُلقهم ..
* " الشُكر" فَضيلةٌ أَخلاقيةٌ و سُلوكٌ يَعملُ على تَوطيد أَواصر المَحبة والإخاء بين الناس ويعزز من مشاعر الوحدة والتَعاون بينهم ويقوي الروابط ويدعمها ، فالذين بَذلوا الجُهد مَعنا يَستحقوا منا الشُكر والتُقدير والثناء على جهدهم وعطاؤهم ، كَما أنهم يَحتاجون إلى إظهار مشاعر الحُب والامتنان لكل ما يفعلونه ..
* إن " الشُكر" يُضفي على صَاحبه صِفاتٍ جميلةٍ ورائعةٍ , فحين تتوفر لدينا ثقافة " الشُكر " نَرضَى بما قَسم الله لنا من الرزقِ ، وتَذهب عنا مَظاهر الغُرور والكِبرياء, وتَنقشع غَمامةُ الحُزن عن سماءِ حَياتنا ,حَين نُدركُ جيداً أَن مَا أَصابَنا لَم يَكن ليُخطئنا ومَا حَصل لنا من خَيرٍ هو من فَضلِ الله ... حينئذ يُصبح الإنسان بالشُكر عابداً متعبداً ...وبالحَمدِ مُمسِكاً مُتَمسكاً ... وبنفسهِ سعيداً راضياً ...
* يَجب علينا تَرسيخ أسمى مَعاني الشُكر والثَناء في نُفوسنا ، وغَرسها في نفوسِ أبنائنا منذ الصِغر ، كما يجب أن نعود أنفسنا على أن يكون الشُكر مَقروناً بالدُعاء ليَتولد لدَى الآخرين الشُعور بالرِضى النَفسي والارتياح والطَمأنينة , وحَتى لو تَرسخ لَدينا مَفهوم ( لا شُكر على وَاجب ) فلابد أَن نُدرك أن الذَي لا يَشكر النَاس لا يَشكر الله ، فلماذا لا نَشكر عَامل النَظافة في الشَارع وفي الأماكن العَامة والسائق والخادمة والخباز والنجار وإمام المسجد الملتزم بعمله , والمُعلم الحريص على تلاميذه , والطبيب الساهر على راحة مرضاه, ورجال الأمن الذين يحرسون بلادنا ..
* أما أن يُحسن الآخرون إلى أحدنا فلا يجدون إلا نكرانًا فهذا دليل على خِسَّة النفس وحقارتها؛ إذ أن النفوس الكريمة لا تعرف الجُحود ولا النكران، بل إنها على الدَوام وفية مُعترفة ، فحين لا يقر الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه سواء من الله أو من المخلوقين فهو منكر للجميل جاحد للنعمة ..
* أعط الآخرين من قلبك وعقلك ومالك ووقتك .. ولا تقدم لهم فواتير الحساب .. وإذا ساعدت غيرك فلا تطلب من الناس أن يساعدوك.. وليكن عملك خالصاً لوجه الله تعالى ، وإذا أنت أسديت جميلاً إلى إنسان فحذار أن تُذكره ,وإن أسدى إنسان إليك جميلاً فحذارِ أن تنساه ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى " البقرة 264 .
* ويشير علماء النفس إلى أن " الجَميل " الذي يُقدمه الناس لنا في كُل يومٍ أَكثر من أَن يُحصى، من المُساعدات والنصائح والمُجاملات، وهذا الجميل يَنبغي أن نَرد عَليه بالشُكر حَيثما وُجد ، كما أن أحدث كتاب صَدر في أمريكا واحتل رأس قائمة أَكثر الكتب مَبيعاً يَحملُ عنوان " شُكراً "، وهُو من تأليف أستاذ علم النفس في جَامعة كاليفورنيا ورئيس تحرير مجلة "علم النفس الإيجابي" البروفيسور " روبرت إيمونز" ، ويؤكد فيها على أن التَجارب التي أَجراها كَشفت له أَن الاعتراف بالجَميل في التَعامل مع الآخرين يعمل على تَعزيز الطاقة الذَاتية ويَدعم جِهاز المَناعة ويَحميه من الأمراض ، ويُحدث تَغييراً إيجابياً في الحياة ، كما يُوصى " روبرت" القُراء في كتابه بأن يَضعوا كَلمة " شُكراً " على طرفِ ألسنتهم بشكلٍ دائم، وأن يَستخدموها في كُل مُناسبة لتحقيقِ هذه النتيجة ..
* فلا تنسى أن تقدم الشكر إلى كل من ساعدوك في حياتك وكل من قدوموا لك صنيعاً حسناً ، وكن مبادراً في قول " شكراً " ، واحرص على أن تكون نوراً ساطعاً يضيء للناس الطريق ..
* وختاماً " شكراً لكل من عَلمني حرفاً وأسدى لي معروفاً وقدم لي خدمةً ولقيت منه اهتماماً ...
.