لقد شهد على صدق الرسول عل الصلاة والسلام الخصوم والأتباع والواقع وشهادة الخصوم إذ تدل على الثقة التي كان يتمتع بها رسول الله صلى الله علييهه وسلم عند الجميع , ولكن بعض الناس استغرب واستكبر فأنكر دون وجود مبرر لهذا الإنكار فعن المغيرة بن شعبة قال:" إن أول يوم عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل في بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل: يا أبا الحكم هلم إلى الله ورسوله , أدعوك إلى الله . فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منتهٍ عن سبِّ آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك بلَّغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت , فو الله لو إني أعلم أن ماتقول حق لاتبعتك . فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأقبل عليَّ فقال: والله إني لأعلم أن مايقول حق ولكن يمنعني شيء. ان بني قصي قالوا : فينا الحجابة . قلنا : نعم. ثم قالوا : فينا السقاية. قلنا: نعم . ثم قالوا: فينا الندوة. فقلنا: نعم. ثم قالوا : فينا اللواء . فقلنا : نعم , ثم أطعموا وأطعمنا , حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي . والله لا أفعل"
وأخرج ابن العساكر عن معاوية – رضي الله عنه- قال :" خرج أبو سفيان إلى بادية له مردفاً هنداً , وخرجت اسير أمامهما وأنا غلام على حمارة لي, إذ سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال أبو سفيان: انزل يامعاوية حتى يركب محمد. فنزلت عن الحمارة وركبها رسول الله صلى اله عليه وسلم , فسار أمامنا هنيهة , ثم التفت إلينا فقال: يا أبا سفيان بن حرب ويا هند بنت عتبة ! والله لتموتن ثم لتبعثنَّ ثم ليدخلنَّ المحسنُ الجنة والمسيء النار, وأنا أقول لكم بحق, وإنكم لأول من أُنذرتم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "حم تنزيل من الرحمن الرحيم..."... حتى بلغ "قالتا أتينا طائعين" فقال له أبو سفيان : أفرغت يا محمد ؟ قال: نعم . ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمارة وركبتها, وأقبلت هند على أبي سفيان : ألهذا الساحر أنزلت ابني؟ قال: لاوالله ماهو بساحر ولا كذاب "
وأخرج الشيخان والترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: " لما نزلت { وأنذرعشير تلك الأقربين} صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا : نعم ماجربنا عليك إلا صدقا . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . قال: أبو لهب تباّ لك يا محمد ألهذا جمعتنا فنزلت:{ تبت يدا أبي لهب وتب}.
ومن هذه النصوص يتبين لنا أن الثقة بصدق محمد صلى الله عليه كانت متوافرة ولم يكن هذا الموضوع فيه شك أبدا وهذا الذي وهذا الذي يعلل لنا:
1- ظاهرة الإيمان به من قبل من حاربوه واحدا فواحد طوعاً لا إكراها أمثال خالد ابن الوليد وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب ... ذلك لأنهم ما كانوا يشكون في أن محمداً صادق, ولكن فاجأهم بشيء لم يسمعوا به هم ولا آباهم فأنكروه , حتى إذا ذهب هول المفاجأة وحكّموا عقولهم التقى صدق الفكر بالثقة الأساسية بشخص محمد صلى الله عليه وسلم فتولد عن ذلك إيمان .
2- ظاهرة الإخلاص له بعد الإيمان . فبعضهم لم يؤمن إلا آخر بعد أن غلب كبقايا قريش فإنهم أخيراً غلبوا للإسلام , وكان يمنعهم من ذلك ثارات وأحقاد وشبهات وشهوات , حتى إذا دخلوا فيه تسليما للأمر الواقع وإذا بهم مخلصون لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأتم ما يكون الإخلاص, ومتفانون في الإسلام بعد أن زالت عن أعينهم غشاوات , من بعدها تبينوا أن محمداً هو الأخ الكريم والابن الكريم فكانت معرفتهم به وثقتهم بشخصيته أساساً لإخلاصهم في طريقهم الجديد الذي ساروا فيه بعد ذلك فرحين.
وبعد فهذه شهادة الخصوم , بعضهم أسلم بعد خصومة شديدة , وبعضهم, مات على كفره ولكن الجميع حتى في أشد حالات الخصومة كانوا مؤمنين أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق.
أما عن شهادة الأتباع فالرسول عليه الصلاة والسلام كان دائم الخلطة لأصحابه في طعامهم وشرابهم وسفرهم وصلاتهم ومجالسهم , وهو عليه الصلاة والسلام كان يحب البساطة والصراحة ويكره التكلف , وبعض الصحابة خالط الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها عشرات السنين.
كما أن هؤلاء الأصحاب أثبتوا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد مماته أنهم أرجح الناس عقولاً وأكثرهم دهاءً وحنكة ومعرفة بالرجال والشعوب وسياسة الأمم , بدليل أنهم نجحوا رغم محدودية وسائلهم في فأعظم الدول المتحضرة وقتذاك وإرادتها وكسب مودة شعوبها ودمجهم في الأمة الإسلامية.
فلقد أخرج البيهقي :" أن صهيباً- رضي الله عنه- أقبل مهاجراً نحو النبي صلى الله عليه وسلم فتبعه نفر من قريش مشركون , فنزل فانتشل كنانته فقال ك قد علمتم يا معشر قريش أني أرماكم رجلاً بسهم , وايم الله لاتصلون غلي حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه . ثم شأنكم بعد ذلك وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وتخلوا سبيلي... قالوا: نعم . فتعاهدوا على ذلك فدلهم , فأنزل الله على رسوله القرآن {ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات الله} حتى فرغ من الآية . فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم صهيباً قال: ربح البيع يا ابا يحيى ربح البيع يا أبا يحيى! وقرأ عليه القرآن"
وأخرج ابن إسحاق قال:"انتهى أنس بن النضر- عم أنس بن مالك- إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار – رضي الله عنهم- وقد ألقوا ما بأيديهم . فقال : فما يجلسكم ؟ قالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا و فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم استقبل القوم و فقاتل حتى قُتل"
وأخرج الطبراني عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال :" لما كان يوم أحد حاص اهل المدينة حيصة . وقالوا : قُتل محمد حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة. فخرجت امرأة من الأنصار محرمة فاسنقبلت بأبيها وابنها وزوجها وأخيها – أي قتلى- لا أدري ايهم استقبلت به أولاً . كلما مرت على أحدهم قالت: من هذا؟ قالوا : أبوك , أخوك, زوجك, ابنك : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقولون: أمامك حتى دفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, لا أبالي إذ سلمت من عطب"
هذه من بعض النصوص تبين لنا مدى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم عند أتباعه المخالطين له , مما يدلك على أن تصديقهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ حداً لامثيل له .