مقالة فلسفية سنة ثالثة اداب
الطريقة جدلية
طرح المشكلة: إذا كان الحساس هو عملية فيزيولوجية ترتبط في أساسها على جملة من الحواس (البصر،السمع،الذوق،الشم،ال لمس) هذه الحواس التي تنقل إلينا صورة مجردة من أي معنىولكن بعد وصولها إلى الذهن عن طريق الأعصاب تتم عملية تأويل جميع الصور وذلكبتحليلها وفهمها عن طريق العقل ومن خلال هذا التحليل نستنتج بأن هناكمرحلتين مرحلةأولى والتي نعتمد فيها على الحواس للاتصال بالعالم الخارجي ونطلق عليها بالإحساسومرحلة ثانية والتي يتم فيها الحكم على الأشياء وبناء رد الفعل ونطلق عليهابالإدراك ولكن السؤال الذي يتبادر في أذهاننا هو:هل يمكن الفصل بين الإحساسوالإدراك؟ وبعبارة أخرى: هل يمكن أن يكون إدراك دون المرور على الإحساس؟ وهل يمكنالقول: بأن الإحساس أدنى قيمة معرفية من الإدراك؟.
محاولة حل المشكلة:
عرضمنطق الأطروحة الأولى: يرى كل من الحسيين والعقليين أنه من الضروري التمييز بينالإحساس والإدراك فالعقليون يرون أن الإحساس مجرد عملية فيزيولوجية لا يمدنا إلىبمعارف أولية في حين أن الإدراك هو عملية تعتمد على الذهن وتدخل فيها الكثير منالعمليات النفسية من ذاكرة وذكاء وتخيل كما أن الإحساس هو عملية أولية بسيطة تعتمدعلى الأعضاء الحسية ولا توصلنا إلى المعرفة فهي لاتتضمن أي معنى في حين أن الإدراكنقيض ذلك حيث أنه يعتبر عملية معقدة و بها نعقل الأشياء وندركها فعملية الإدراكعبارة عن الوعي الانساني بكل محتوياتها من تحليل وتركيب وتفكير وتصوركما أنمه وظيفةالإحساس تتوقف في إثارة العقل وذلك لتحقيق معرفة مجردة ولكن للأسف كثيرا ماتؤديالحواس إلى نتائج غير مرضية نتيجة الأخطاء التي تقع فيها في الكثير من الأحيانفعندما نشاهد العصا التي نغطسها في الماء نرى بأنها تبدوا مكسورة إلى قسمين وهذا ماتنقله لنا حاسة البصر إذا فهذه المشاهدة لايمكن الوثوق بها ملولا وجود العقل الذييقوم بتصحيح الصورة لقلنا أن العصا قد انكسرت داخل الماء فقيمة الحساس تكمل في أنهيقوم بإثارة الأعضاء الحسية التي بها يتنبه العقل ليقوم بطريقة غير مباشرة إلى بناءالمعرفة المجردة التي بها نصل إلى الحقيقة وهذا ما يجعل الفيلسوف مين دوبيرانيقولالإدراك يزيد على الإحساس بأنه آلة الحس فيه تكون أشد فعلا والنفس أكثرانتباه.......) إذا العقليين ميزوا بين الإحساس والإدراك من حيث طبيعة وقيمةالمعرفة المتأتية من كليهما والحسيين أيضا يقرون بضرورة التمييز بين الإحساسوالإدراك ولكن ليس بالنظر إلى طبيعة أو قيمة كل منهما بل بالنظر إلى درجة وشدةالتعقيد فيهما فيرون أن كل معارفنا الإدراكية لاتبنى إلا من خلال الإحساس والتجربةالخارجية.
النقد: صحيح ماذهب إليه كل من الحسيين و العقليين في تبيان قيمةوطبيعة وقوة وشدة كل من الإحساس والإدراك في مجال المعرفة ولكن هذا لا يؤدي إلىضرورة الفصل بينهما بصورة كلية أو مطلقة.
نقيض الأطروحة: وعلى النقيض من ذلك نجدأنه في حقيقة الأمر لا يمكن الفصل بين العمليتان لأنه لايمكن تصور وجود أي عمليةإدراكية دون المرور على العملية الحسية ولا يمكن للإنسان أن يدرك أو يعقل شيء دونأن تحس به أعضائه الحسية فالإحساس والإدراك وجهين مختلفين لظاهرة نفسية واحدة فنجدالجشطالتيون يرون أنه لايمكن التمييز بين الإحساس والإدراك لأنهما شيء واحد فالصيغةأو الشكل التي يكون عليها الموضوع هي التي تتحكم في العملية الإدراكية أي أنالمؤثرات الخارجية هي التي تحدد طبيعة إدراكنا وأكدوا أهميتها في عملية الإدراكعندما ذهبوا إلى أن الإدراك أكثر مجرد إحساس بالعناصر الأساسية للمنبهات وإنما هوعملية كلية ندرك بها المنبهات كأنماط وأشكال وصيغ ذات معنى إذا الإدراك ليس مجردعملية استقبال المنبهات عن طريق الأعضاء الحسية وإنما صيغ وشكل موضوعات الإدراك هيالتي تبني الإدراك وترسم معناه كما أن الظواهرية أيضا ترفض هذا التمييز الذي لايجعل الإدراك تابعا للإحساس وكذلك التفسير العقلي الذي يعتبر الإدراك حكما عقلياوتؤكد أن الإدراك تابع لشعوره.
النقد: صحيح ما ذهبت إليه النظريتين في إمكانيةالجمع بين الإحساس والإدراك حيث أصابت الجشطالتية حينما ركزت على العوامل الموضوعيةوأخطأت عندما أهملت العوامل الذاتية في حين أن الظواهرية ربطت الإدراك بالشعور ممايجعلنا لا نفهم شيء ولا نستقر على رأي لأن الشعور متغير على الدوام.
التركيب: منهذا التحليل نصل إلى أن المعارف الإنسانية ناتجة تكامل وتفاعل بين الإحساس الذييتميز بطابع البساطة والإدراك الذي يتميز بطابع التعقيد وهذا مايسمح بالارتقاء منعالم الصور الحسية إلى عالم الصور العقلية بمعنى أن الإحساس هو الممول الأولللإدراك فلولا وجود الإحساس لما وجد الإدراك والعكس صحيح وهذا مايؤكد عليه الفيلسوفرايدالإدراك هو الإحساس المصحوب بالانتباه).
حل المشكلة: من خلال هذا الأخدوالرد نصل إلى أن الإحساس هو النافدة التي نطل عليها على هذا العالم والإدراك هومانتوصل به إلى تلك المعارف التي ينقلها إلينا الإحساس وكل منهم يكمل الأخر.