تمتد قصة المنتخب الجزائري مع كأس العالم لكرة القدم إلى نحو 41 عاما، منذ فشله في بلوغ مونديال المكسيك 1970 بعد أداء قوي مع الجار المنتخب التونسي، وإذا كان للخضر بصماتهم في المنافسة الكروية الأشهر عالميا، فإنّ الحضور الأكثر قوة كان قبل 28 عاما، حين فجر ماجر، بلومي، عصاد وآخرون ملحمة حقيقية بإسبانيا، وأعادوا إنجازا لا يقل أهمية أربع سنوات من بعد، غداة وقوفهم الند للند مع عمالقة إرلندا وإحراجهم المارد البرازيلي.
في هذه الورقة، نتوقف عند أهم محطات الحضور الجزائري في المونديال.
غياب أعقبه انسحاب
تبعا لبقاء الجزائري تحت نير الاحتلال الفرنسي إلى غاية العام 1962، اضطر الخضر للغياب عن أي مشاركة في كأس العالم منذ إنشائها سنة 1930 بالأوروغواي إلى غاية دورة 1962 بالشيلي.
وكان يُفترض أن يشارك المنتخب الجزائري بقيادة الفرنسي لوسيان لوديك في التصفيات المؤهّلة لمونديال إنجلترا 1966، لكن الجزائر رفقة باقي الدول الإفريقية انسحبت بشكل جماعي احتجاجا على قرار الاتحاد الدولي للعبة بمنح القارة السمراء مقعدا واحدا فحسب في النهائيات.
فشل ثلاثي
•1970: خاض زملاء لالماس أول مقابلة لهم برسم الدور الأول لتصفيات المونديال في 19 أفريل 1969 بملعب 20 أوت 55 بالعناصر، في موعد شهد انهزام الجزائر أمام تونس (1 – 2)، ورغم استعانة المدرب الوطني سعيد عمارة ومساعده الراحل عبد العزيز بن تيفور بأرمادة من المحترفين بفرنسا على رأسهم رشيد مخلوفي صانع ألعاب نادي باستيا، إلاّ أنّ الخضر تجرعوا مرارة الإقصاء إثر تعادلهم مع تونس في لقاء العودة (0 – 0).
• 1974: لم يوفق الخضر في تصفيات مونديال 1974 بألمانيا الغربية وخرجوا أيضا من الدور الأول، إذ تعرضت تشكيلة الروماني فالنتاين ماكري لخسارة قاسية عجّلت برحيل الأخير، غداة انهزام الجزائر أمام غينيا بكوناكري (5 – 1)، علما أنّ لقاء الذهاب بالجزائر، شهد فوزا صغيرا للخضر (1 – 0).
• 1978: في ثالث محاولة، أصرّ الحظ على معاكسة الجزائر مجددا، فبعد اجتياز الخضر عقبة ليبيا في الدور الأول في أعقاب تفوقهم على ليبيا في لقاء الذهاب 1/0 والتعادل إيابا (1 – 0) و(0 – 0)، فشل الجزائريون في الإطاحة بالتوانسة في الدور الثاني، فبعد انهزام زملاء سرباح، قندوز، دحلب وإيغيل في تونس (0 – 2)، اكتفى أشبال رشيد مخلوفي بالتعادل في مواجهة العودة بملعب 5 جويلية (1 – 1) في مقابلة شهدت تألق الحارس التونسي العملاق عتوقة الذي بخر آمال الجزائر في الوصول إلى نهائيات الأرجنتين.
بروز مزدوج
•1982: نجح الخضر بعد انتظار استمر 13 سنة في إزالة النحس، وسجلوا حضورهم لأول مرة في المونديال الإسبانية، بعد اجتيازهم الأدوار الأربعة التصفوية بامتياز، بدءا من سيراليون (2 – 2) في فريتاون، و(3 – 1 ) بالجزائر، ثم السودان أين فاز زملاء مرزقان (2 – 0) بالجزائر، قبل تعادلهم (1 – 1 ) بالخرطوم، وفي الدور الثالث هزم تلاميذ الروسي الراحل افغيني روغوف، محمد معوش ورابح سعدان نظرائهم من النيجر (4- 0) في الذهاب، وانهزموا (0 – 1) في الإياب بنيامي.
وفي الجولة الأخيرة، تألق الخضر ضعفين بلاغوس أين تغلبوا هناك على نسور نيجيريا (0 – 2) بهدفين حملا إمضاء مناد وبن ساولة، قبل أن يجددوا تفوقهم في لقاء العودة بقسنطينة (2 – 1) بهدفي بلومي وماجر.
في النهائيات التي احتضنتها إسبانيا، خاض أشبال خالف ومخلوفي واحدة من أجمل المونديالات في تاريخ العرب والأفارقة، وبرسم المجموعة الثانية أطاح ماجر وبلومي ورفاقهما بكبرياء ألمانيا الغربية (2 – 1 ) في لقاء مشهود (16 جوان 1982 بخيخون)، وتعثر الخضر أمام النمسا في ربع الساعة الأخير (0 – 2)، قبل أن يهزموا الشيلي (3 – 2) بثنائية صالح عصاد وإصابة ثالثة لتاج بن ساولة، ورغم رصيد الأربع نقاط، إلاّ أنّ الجزائر لم تتأهل إلى الدور الثاني إثر مقابلة العار بين ألمانيا والنمسا (1 – 0) في لقاء شهد تواطئا مفضوحا أرغم الفيفا على تعديل قوانين المنافسة لاحقا، وجعل الخضر يكتسبون إعجاب واحترام العالم.
•1986: حقق الخضر إنجازا غير مسبوق في 18 أكتوبر 1985، حيث صاروا أول منتخب عربي وإفريقي يصل إلى كأس العالم لمرتين متتاليتين، وتأتى له ذلك، بعد مشوار دون أخطاء، بدءا من أنغولا (0 – 0) بلواندا و(3 – 2 ) بالجزائر، ثم زامبيا (2 – 0 ) بالجزائر و(0 – 1) بلوزاكا إثر هدف بن ساولة في الدقيقة 78، وأخيرا تونس التي اكتسحها الخضر في عقر دارها (1 – 4) بملعب المنزه، وحملت الأهداف تواقيع ماجر، محمد قاسي سعيد وجمال مناد في مناسبتين، قبل أن يجدد الخضر تفوقهم في لقاء العودة بملعب 5 جويلية (3 – 0) من تسجيل مناد –ماجر وياحي حسين.
في النهائيات التي احتضنتها المكسيك، لم يكن تألق الخضر بالدرجة ذاتها رغم النضج الكبير الذي طبع أداء التشكيلة الوطنية بقيادة رابح سعدان أصغر مدرب في المونديال آنذاك، واكتفى الخضر بنقطة وحيدة أمام إرلندا الشمالية (1 – 1) بهدف حمل توقيع جمال زيدان، قبل أن يتجرع رفاق بن مبروك هزيمة مرة أمام سحرة البرازيل (0 – 1)، في مقابلة شهدت سيطرة جزائرية وهدفا برازيليا إثر سوء تفاهم بين الحارس دريد ومدافعه الأيمن عبد الله مجادي، وودّع الخضر المنافسة إثر هزيمة مدوية أمام الثور الإسباني (0 – 3).
فراغ مزمن
• 1990: تعرضت الجزائر في تصفيات كأس العالم 1990 إلى ظلم صريح، إثر مهزلة القاهرة وما قام به المصريون بمساعدة الحكم التونسي المثير للجدل علي بن ناصر.
وفي مجموعتهم التي ضمت كوت ديفوار وزيمبابوي وليبيا (هذه الأخيرة انسحبت في الجولة الثانية)، بدأ الخضر مشوارهم التصفوي في السادس جانفي 1989 أمام زمبابوي في مقابلة احتضنها ملعب 19 ماي بعنابة وانتهت (2 – 0) بهدفي ماجر وتلمساني عبد القادر، وتعادل الجزائر في اللقاء الثاني مع كوت ديفوار (0 – 0) بأبيدجان، قبل أن تتفوق على زمبابوي بهراري (1 – 2) بهدفين حملا توقيع ماجر وبلومي، قبل أن يختم أشبال المدرب كمال لموي دور المجموعات في الصدارة عقب تحقيق فوز صغير لكنه ثمين على كوت ديفوار (1 – 0) وسجّل الهدف النجم رابح ماجر في الدقيقة 60.
في الدور الأخير التقى المنتخب الوطني مع مصر، وانتهى لقاء الذهاب بقسنطينة (0 – 0)، بينما شهدت مقابلة العودة فوز مصر (1 – 0) بهدف غير شرعي لحسام حسن أقره الحكم بن ناصر رغم الاعتداء الفاضح بالمرفق للمدافع المصري أحمد رمزي على الحارس الجزائري الهادي العربي، وعرف اللقاء أيضا امتناع الحكم التونسي عن احتساب ضربتي جزاء لصالح الجزائر، لتخرج الأخيرة مرفوعة الرأس من مهزلة القاهرة.
•1994: بتشكيلة شابة متجددة بنسبة 90 بالمائة، خاض المنتخب الوطني تصفيات مونديال الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم نقص الخبرة، إلاّ أنّ عاصيمي، تاسفاوت، بتاج، والمدربان إيغيل ومهداوي تخطوا الدور الأول في مجموعتهم المشكّلة من منتخبي بورندي وغانا، حيث فازوا على بورندي (3 – 1) بتلمسان و(0 – 0) ببوجامبورا، فيما انهزموا أمام وصيف بطل إفريقيا وهو منتخب غانا (2 – 0) بآكرا، وتغلبوا عليه إيابا في سهرة رمضانية (2 – 1) بملعب العقيد لطفي بتلمسان.
في الدور الثاني، وقع الخضر في مجموعة نارية ضمت نيجيريا وكوت ديفوار، واستهل المنتخب الوطني الدور بتعثر (1 – 1) على أرضه أمام كوت ديفوار، قبل أن يسقط زملاء تاسفاوت (4 – 1) أمام نيجيريا بلاغوس، ثم انهزام في آخر دقيقة أمام كوت ديفوار (1 – 0) بأبيدجان ليقصى الخضر رسميا، ومع ذلك اختتم العائد محمد راحم التصفيات بتعادل إيجابي (1 – 1) أمام نيجيريا بملعب 5 جويلية، في مقابلة كادت تعصف بآمال النسور في حضور المونديال، بعد أداء بطولي لرفاق سيد أحمد زروقي، رغم أنّ النتيجة لم تكن تهم النخبة الوطنية التي أقصيت بشرف.
تقهقر إلى الوراء
• 1998: أقصي الخضر في الدور التمهيدي لكأس العالم بفرنسا 1998، حيث انهزم المنتخب الوطني أمام كينيا (3 – 1) بنيروبي، وعجزوا عن تحقيق فوز يكفل التأهل في مواجهة العودة (14 جوان 1996) التي عرفت اكتفاء أشبال علي فرقاني بهدف يتيم لتاسفاوت، وتسبب إهدار بلال دزيري لضربة جزاء في تفويت فرصة فوز سهل للجزائريين، وبهذا الإقصاء الذي أثار زوبعة في الجزائر آنذاك، تقهقر الخضر إلى سبعينات القرن الماضي، حين كانت الجزائر لا تقوى على تخطي عقبة الدور الأول.
• 2002: على منوال ما حصل في إقصائيات المونديال الفرنسي، كان أداء الجزائر مخيبا في التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم باليابان وكوريا الجنوبية 2002، فرغم تجاوز الخضر الدور التمهيدي أمام منتخب الرأس الأخضر (0 – 0) ببرايا، تفوق زملاء صايفي في لقاء الإياب ( 2 – 0).
في دور المجموعات وأمام منافسين بوزن السينغال، المغرب، مصر ومنتخب ناميبيا، لم ينجح المدرب عبد الغني جداوي وأشباله في ترجيح الكفة منذ تعثرهم بعنابة أمام السينغال (1 – 1)، ورغم تقدمهم في النتيجة عن طريق مصابيح أمام المغرب بأرض الأخير، إلاّ أنّ أسود الأطلس عادوا في النتيجة (2 – 1)، ورغم الفوز المحقق في ثالث لقاء أمام ناميبيا (1 – 0) إثر هدف جميل لجمال بلماضي، إلاّ أنّ ديناميكية الانتصارات لم تستمر، وسقط الخضر أمام مصر (5 – 2) بالقاهرة، ثم السينغال (3 – 0 ) بدكار، وأخيرا المغرب الذي هزم الجزائر على ميدان 5 جويلية ( 1 – 2) رغم الهدف المبكّر لرفيق صايفي، وأنهى الخضر التصفيات بفوز على ناميبيا بويندهوك (0 – 4)، قبل أن يتعادل مع مصر ( 1 – 1) في آخر لقاء بعنابة، وهي مقابلة شهدت تسجيل ياسين بزاز لأول هدف له مع الخضر الذين لعبوا بنزاهة مكنت السينغال من التأهل إلى النهائيات على حساب الفراعنة.
2006• : استنسخ الخضر خيبة 2002، وعجزوا عن حجز مقعد مؤهل لمونديال 2006 بألمانيا، رغم البداية الواعدة في الدور التمهيدي أمام النيجر (0 – 1) في نيامي بهدف حمل توقيع فضيل حجاج، قبل أن يكتسح الخضر النيجريون (6 – 0) في لقاء الإياب.
لعبت الجزائر في مجموعة ضمت أنغولا – نيجيريا – زيمبابوي – الغابون – رواندا)، احتلت فيها المركز ما قبل الأخير، بعد تعادلها مع أنغولا بعنابة (0 – 0) وانهزامها (2 – 1) بلواندا، كما تعادلت سلبيا أمام الغابون بليبروفيل، وانهزم أشبال البلجيكي واسيج أمام نيجيريا (1 – 0) بلاغوس، و(2 – 5) بوهران، وتعادلوا مع زيمبابوي ذهابا وإيابا (1 – 1) و(2- 2)، قبل أن يتعادلوا مع رواندا (1 – 1) بكيغالي ويفوزوا عليه (1 – 0) بوهران.
عودة قوية من بعيد
• 2010: بعد عشرات السنوات العجاف، نجح جيل زياني، مطمور، عنتر يحيى وغيرهم في إعادة الجزائر إلى مكانها الطبيعي بين كبريات الأمم الكروية، من خلال تأهلهم الباهر والمستحق إلى مونديال 2010 بجنوب إفريقيا،.
تصدّر الخضر مجموعتهم برسم الدور الأول للتصفيات، وبعد انهزام صغير أمام السينغال ( 1 – 0) بداكار، فازت الجزائر على ليبيريا (3 – 0) وغامبيا (1 – 0)، قبل أن تخسر مجددا أمام المنتخب الغامبي (1 – 0) ببانجول، لكن أشبال العائد رابح سعدان تجاوزوا التعثر بتغلبهم على السينغال (3 – 2) بالبليدة، قبل تعادلهم سلبا في آخر مواجهة ضدّ ليبيريا بمنروفيا.
وفي الدور الأخير، وضعت القرعة الجزائر في مجموعة ضمت مصر – زامبيا – ورواندا، استهل رحلة جوهانسبورغ بافتكاك التعادل من رواندا (0- 0)، ثم الفوز على مصر (3 – 1) في لقاء مشهود سجل فيه مطمور، غزال وجبور على التوالي، وعاد الخضر من لوزاكا بفوز رائع على زامبيا (0 – 2) بإصابتين سجلهما بوقرة وصايفي، هذا الأخير سجل هدف الفوز في مقابلة الرد بالبليدة (1 – 0)، وحقق الخضر فوزا ثالثا على رواندا (3 – 1) بأهداف لغزال، بلحاج وزياني، ورغم انهزام الجزائر أمام مصر (2 – 0) بالقاهرة، إلاّ أنّ عنتر يحيى سجّل هدفا أسطوريا في مقابلة الفصل بالخرطوم، عبّد فيها الطريق للجزائر لتعانق المونديال بعد غياب استمر 24 عاما.