تعتبر الزراعة من أهم الأنشطة التي يمارسها الإنسان. فهي تمدنا تقريبًا بكل ما نحتاجه من غذاء بالإضافة إلي توفير مستلزماتنا من الكساء والمأوى. ليس هذا فحسب بل إن الزراعة توفر لنا المواد الضرورية لبعض الصناعات الأساسية مثل الدهانات والمواد الطبية. وتدل الإحصائيات المتوفرة أن نصف القوى العاملة، على المستوى العالمي، تعمل في مجال الزراعة ـ ويفوق ذلك عدد العاملين في مجال الصناعة.
وتعتبر الزراعة من أقدم المهن التي مارسها الإنسان، إذ يرجع بدء نشأتها إلى حوالي 11,000 سنة في منطقة الشرق الأوسط. فقد اكتشفت بعض القبائل في منطقة الشرق الأوسط كيفية زراعة النباتات من البذور، وكذلك كيفية رعاية الحيوانات في الأسْر. ولقد تعلم الناس هذه المهارات قبل حوالي 10,000 سنة، وبدأوا الاعتماد على الزراعة لتوفير مواد الغذاء.
اعتمد الناس قبل تطوير الزراعة للحصول على الغذاء على جمع النباتات البرية والحيوانات وصيد الأسماك. وكان عليهم البحث عن الغذاء باستمرار مما أدى إلى قلة الوقت المتوفر للأنشطة الأخرى. لكن مع تطور الزراعة أصبح بالإمكان تأمين الغذاء بكميات وفيرة. وعليه لم تعد هناك حاجة إلى أعداد كبيرة من الناس لتوفير الغذاء. عند ذلك، أصبح بالإمكان احتراف مهن أخرى مثل الحرف الفنية والتجارة والأنشطة المتعلقة بالحياة الحضرية. لذلك فإن التطوّر الذي حدث في مجال الزراعة أدى إلى توفير الغذاء وبالتالي إلى نشوء الحضارة.
جمع أوراق الشاي في سريلانكا
ينتج المزارعون كميات أكبر من الغذاء أكثر مما ينتجه الصيادون وجامعو المواد الغذائية. لكن ظل التطور في مجال الزراعة بطيئًا قرونًا طويلة. واعتمدت الزراعة على قوى الإنسان والحيوان وعلى ما يملكه المزارعون من أدوات قليلة لجعل أراضيهم وعمالتهم أكثر إنتاجية. وعند نهاية القرن السابع عشر، بدأ المكتشفون تطوير الآلات الزراعية لإعداد التربة ولعملية الزراعة والحصاد. ومع مرور السنين تطوّرت الآلات الزراعية. وخلال القرن العشرين، طوّر العلماء أصنافًا جيدة وقوية من النباتات والحيوانات، وكذلك أنواعًا من السماد والمبيدات الحشرية أكثر فعالية. صاحب هذا التطور زيادة في كفاءة الإنتاج مما أدى إلى تقليل العمالة المطلوبة للزراعة وزيادة كبيرة في الإنتاج الزراعي.
وقد حدث معظم هذا التطور في مجال الزراعة في الدول الصناعية، وبقي الناس في الدول النامية يمارسون نمط الزراعة التقليدية التي كان يمارسها أجدادهم منذ مئات السنين. والدول التي تمارس الزراعة التقليدية ليس بإمكانها أن توفر الغذاء الكافي الذي تحتاج إليه. علما بأن توفير الغذاء بكميات كافية أصبح أمرًا ضروريًا لمواجهة الزيادة الهائلة في أعداد السكان. ولكي يصبح بالإمكان مواجهة النقص المتزايد في توفير الغذاء للدول النامية وبالتالي تلافي حدوث المجاعة، فإن على الدول الصناعية توفير الآليات الحديثة اللازمة لتطوير الزراعة في الدول النامية.
المنتجات الزراعية الرئيسية
يعتبر الغذاء من أهم المنتجات الزراعية، لكن المزارع توفر لنا أيضًا منتجات أخرى مثل الألياف الطبيعية، ونباتات الزينة وكذلك الأشجار. وتستخدم بعض المحاصيل الزراعية لإنتاج أعلاف الماشية فقط. وتشمل هذه الأعلاف البرسيم والفصفصة وحشائش كثيرة أخرى مثل العشبة العصافية، والتيموثية. وتبرز أهمية محاصيل الأعلاف من خلال توفير منتجات الماشية على المستوى التجاري.
المنتجات الغذائية. ينتج المزارعون كل غذاء العالم تقريبًا بالإضافة إلى الأسماك وصيد الحيوانات. ويأتي معظم الغذاء من المحاصيل الزراعية، والباقي من الحيوانات وخاصة الأبقار والحيوانات الزراعية الأخرى.
المحاصيل. ينتج المزارعون في العالم حوالي خمسة وثمانين محصولا رئيسيًا. ويمكن تقسيم هذه الفئة إلى ثماني مجموعات. المجموعة الرئيسية هي الحبوب، وتشمل زراعة الحبوب حوالي نصف المساحة المخصصة للزراعة في العالم. والحبوب توفر معظم المغذيات (المواد الغذائية) المطلوبة للإنسان والحيوان. وأهم أنواع الحبوب هي الشعير، والذرة الشامية، والدخن، والشوفان، والأرز، والذرة الرفيعة، والقمح.
وتأتي المحاصيل الجذرية في المرتبة الثانية من الأهمية بالنسبة للمحاصيل الغذائية. وتتشابه المحاصيل الجذرية مع الحبوب في أنها تزرع في جميع أنحاء العالم، وتمد الإنسان بالغذاء الأساسي. وأهم المحاصيل الجذرية هي البطاطس والبطاطا الحلوة، والمنيهوت (الكاسافا).
وتتكون المجموعات الست الأخرى للمحاصيل الغذائية الرئيسية من : 1- البقول التي تتكون بصفة رئيسية من الفاصوليا الجافة والبازلاء الجافة. 2- الفواكه والخضراوات 3- المحاصيل الزيتية مثل فول الصويا وجوز الهند، 4- المحاصيل السكرية، خاصة قصب السكر وبنجر السكر، 5- الجوزيات 6-بذور الكاكاو وحبوب البن وأوراق الشاي.
وتستخدم بعض المحاصيل الزيتية، خاصة فول الصويا في إنتاج الدقيق والطحين بالإضافة إلى الزيت.
الحيوانات. تعتبر الأبقار والدواجن والماعز والأغنام والحيوانات الزراعية الأخرى من أهم الحيوانات التي تربى لإنتاج الغذاء. وتربى الحيوانات الزراعية في جميع أنحاء العالم وتمدنا باللحوم، والبيض، والألبان، والمنتجات الأخرى. كذلك يربي المزارعون بعض الحيوانات والحشرات من أجل الحصول على الغذاء. على سبيل المثال، يربي المزارعون النحل من أجل الحصول على عسل النحل. ويربي المزارعون بعض الأسماك في المياه العذبة مثل سمك التروتة وبعض المحاريات التي تعيش في الماء المالح مثل المحار وبلح البحر.
الألياف الطبيعيـة. يتـم الحصـول على الألياف الطبيعيـة من الحيوانــات والنبـاتـــات التي تربى في المـزارع. وتستخــدم المصانـع الأليــاف الطبيعية لإنتـاج الغــزل والمنسوجــات والمـــلابس الأخــرى.
وتعتبر نباتات القطن، والكتان، والقنب، والجوت والسيزال من أهم نباتات الألياف. ويأتي الصوف وهو أهم الألياف الحيوانية، أساسًا من الأغنام وكذلك الشعر من الماعز والوبر من الجمال. ويمكن الحصول على الألياف الحريرية من شرنقة دودة القز (الدودة الحريرية). وتنتج المزارع في اليابان والصين معظم إنتاج العالم من الحرير من دودة الحرير. ولقد أدى اكتشاف وتطوير النيلون والألياف الصناعية الأخرى في القرن العشرين إلى قلة الاعتماد على الألياف الطبيعية في كثير من بلدان العالم.
--------------------------------------------------------------------------------