عَُمر بن الخطاب (40 ق.هـ - 23هـ، 584م - 644م). أمير المؤمنين، أبو حفص عُمر بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن رباح بن عبد الله بن قُرْط القرشي العدوي، وأمه حَنْتَمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم. وقيل: حنتمة بنت هشام بن المغيرة. وعلى هذا فإنها أخت أبي جهل، وعلى القول الأول تكون ابنة عمه. لُقِّب عمر رضي الله عنه بالفاروق لأن الله فرق به بين الحق والباطل. ويُروى عن أيوب بن موسى أنه قال: قال رسول الله ³ (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ) رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح. وكنيته أبوحفص والحفص الأسد، كنّاه بذلك رسول الله ³ في غزوة بدر.
وُلد بمكة، وقد روي عنه أنه قال: ¸وُلدت قبل الفجار الأعظم الآخر بأربع سنين·. ويلتقي نسبه مع نسب النبي ³ في كعب.
إسلامه. أسلم عمر بن الخطاب سنة ست من النبوة بعد أن دخل رسول الله ³ دار الأرقم، وبعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة. وقيل: أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلاً وعشرين امرأة، فكمل الرجال به أربعين رجلاً. ويروى عن ابن عباس أنه قال: ¸أسلم مع رسول الله ³ تسعة وثلاثون رجلاً وامرأة، ثم إن عُمر أسلم فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: ﴿يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين﴾ الأنفال: 64. .
وكان النبي ³ يقول: (اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب، قال عبدالله بن ع مر راوي الحديث وكان أحبهما إليه عمر ) رواه الترمذي بإسناد صحيح. وعن ابن عباس، رضي الله عنه، أنه لما أسلم عمر كَبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، وقال: يارسول الله ألسنا على الحق؟ قال (بلى) قال: ففيم الاختفاء؟ فخرج رسول الله ³. وعن صهيب بن سنان، قال: لما أسلم عمر رضوان الله عليه، ظهر الإسلام، ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعضًا مما كان يأتي به.
هجرته. عن عبد الله بن العباس، قال: قال لي عليّ بن أبي طالب: ما علمت أن أحدًا من المهاجرين هاجر إلا مختفيًا، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هَمَّ بالهجرة تقلّد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهمًا، ومضى قِبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعًا متمكنًا، ثم أتى المقام فصلى متمكنًا، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، وقال لهم: شاهت (قَبُحت) الوجوه، لا يُرْغِمُ الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تَثكُله أمه، ويوتِم (أي ييتِّم) ولده، ويرمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي رضي الله عنه فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين عَلَّمهم وأرشدهم، ومضى لوجهه.
شهوده غزوة بدر وغيرها. شهد عمر بن الخطاب مع رسول الله ³ غزوة بدر، وأُحد، والخندق، وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحُنين، وغيرها من المشاهد، ولم يغب عن غزوة غزاها رسول الله ³. وكان أشد الناس على الكفار. وأراد رسول االله ³ أن يرسله إلى أهل مكة يوم الحديبية، فقال: ¸يارسول الله، قد علمت قريش شدة عداوتي لها، وإن ظفروا بي قتلوني·، فتركه وأرسل عثمان بن عفان.
وهو الذي أشار على رسول الله ³ بقتل أسرى المشركين ببدر، والقصة مشهورة. وهو من الصحابة الذين ثبتوا مع رسول الله ³ يوم أُحد. وقد بعثه رسول الله ³ في شعبان سنة سبع للهجرة أميرًا على سرية في ثلاثين رجلاً إلى عجر هوازن بتربة، وجاء عمر محالهم فلم يلق منهم أحدًا، فانصرف راجعًا إلى المدينة.
فضائله. كان من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشًا كانوا إذا وقعت بينهم حرب أو بينهم وبين غيرهم، بعثوه سفيرًا، وإن نافرهم منافر، أو فاخرهم مفاخر، بعثوه منافرًا ومفاخرًا، وهو أول من أُطلق عليه لقب أمير المؤمنين وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.
وعن ابن عمر، قال: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر ـ أو قال ابن الخطاب ـ إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر. وذلك نحو ما قال في أُسرى بدر، وقوله في الحجاب، وقوله في الخمر، وقوله في مقام إبراهيم عليه السلام. وعن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: وافقت ربي عز وجل في ثلاث؛ في الحجاب، وفي الأسارى، وفي مقام إبراهيم عليه السلام. وعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله ³: (لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ) . وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله ³ يقول: (ماطلعت الشمس على رجل خير من عمر ) . وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ³: (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غير فجك ) . والأحاديث المذكورة صحاح في الترمذي والبخاري وما نقل من مناقب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وخصاله وفضائله كثير.
علمه. كان عمر وافر الحظ من العلم والفقه، سواء ما كان عليه في الجاهلية من عظيم شغف بالشعر والأمثال والطرف الأدبية، أو ما حاز من وافر حظ من علم الشريعة في الإسلام. فهو الخطيب الموهوب والمؤرخ الأديب والفقيه المشهور بين الفقهاء كاشتهار أدبه والمطَّلع على تاريخ قومه. فكان عبد الله بن مسعود يقول: ¸كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله· وكان إذا اختلف أحد في قراءة الآيات قال له: اقرأها كما قرأها عمر، وأطنب فقال: ¸لو أن علم عمر بن الخطاب وُضع في كفة ميزان، ووضع علم الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم، ولقد كانوا يروون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم·. وقال محمد بن سيرين: ¸إذا رأيت الرجل يزعم أنه أعلم من عمر فشك في دينه·. وكل ما فسر به آي القرآن في معرض الحكم والعظة فهو التفسير الراجح في وزن العقل والدين، وكل ما استخرجه من أحكام الشريعة فهو الحكم الواضح الصحيح.
كان ينصح للعلماء والمتعلمين نصائح عالم يعرف ما هو العلم وماذا يجمل بالعلماء في طلبه، فكان يقول: ¸تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم، وتواضعوا لمن تتعلمون منه وتواضعوا لمن تُعلِّمون، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم· ولم يقصر نصائحه على علم الدين ولا على علم الأدب واللغة وحده، بل تناول كل ما عرف من معارف زمانه فقال: ¸تعلموا من النجوم ما يدلكم على سبيلكم في البر والبحر ولا تزيدوا عليه·.
وكان يروي الشعر ويتمثل به ويحث على روايته، وعدَّها من تمام المروءة والمعرفة كما قال لابنه عبد الرحمن: ¸يابني انسب نفسك تصل رَحمك واحفظ محاسن الشعر يحسن أدبك، فإن من لم يعرف نسبه لم يصل رحمه، ومن لم يحفظ محاسن الشعر لم يؤد حقًا ولم يقترف أدبًا·. وقال للمسلمين عامة: ¸ارووا الأشعار فإنها تدل على الأخلاق·. وكان قد ناط مجد المسلمين بالرياضة والفروسية وكتب إلى الأمصار أن ¸علموا أولادكم السباحة والفروسية ورووهم ما سار من المثل وحَسَن الشعر·. ولا يفتأ يذكِّرهم أنه لن تخور قوى ما دام صاحبها ينزع وينزو· أي يرمي بالقوس ويركب ظهور الخيل بغير ركاب وله في كتب الحديث 537 حديثًا.
زهده وتواضعه وإنفاقه. كان متواضعًا، خشن الملبس، شديدًا في ذات الله، واتبعه عماله في سائر أفعاله وشيمه وأخلاقه، كلّ يتشبَّه به ممن غاب أو حضر، وكان يلبس الجبة الصوف المرقعة بالأديم، ويشتمل بالعباءة، ويحمل القربة على كتفه مع هيبة قد رُزقها، وكان أكثر ركابه الإبل، ورَحْلُه مشدودة بالليف، وكذلك عُمَّاله، مع ما فتح الله عليهم من البلاد وأوسعهم من الأموال. وعن الحسن رحمه الله، قال: خطب عمر الناس، وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة. وعن قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أبطأ على الناس يوم الجمعة، قال: ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه وقال: إنما حبسني غَسل ثوبي هذا، كان يُغسل ولم يكن لي ثوب غيره·.
وعن يسار بن نمير، قال: ¸والله ما نخلت لعمر الدقيق قط، إلا وأنا له عاص·. وعن إسماعيل بن قيس، قال: لما قدم عمر الشام، استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونًا، يلقاك عظماء الناس ووجوههم. فقال: لا أراكم ههنا، إنما الأمر من ههنا، (وأشار بيده إلى السماء) خلوا جملي.
وروى البخاري وغيره عن ابن عمر، قال: أصاب عمر، رضوان الله عليه، أرضًا بخيبر فأتى النبي، ³، فاستأمره فيها، قال: أصبت أرضًا بخيبر، لم أُصب مالاً قط، أنفس عندي منه، فما تأمر به قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، قال: فتصدق بها عمر أن لا تباع ولا توهب، ولا تورث، صدقة للفقراء، والمساكين، وفي سبيل الله تعالى وابن السبيل والضعيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقًا غير متأمل فيه مالاً. وعن القاسم قال: ¸أول من استشهد من المسلمين يوم بدر، مهجع مولى عمر رحمه الله تعالى·.
زوجاته وأبناؤه. تزوّج عمر تسع زوجات هنّ: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب، وأم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب، وأم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب، وجميلة بنت عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح، ولُهَية أم ولد، والدة عبد الرحمن الأصغر، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، وفكيهة أم ولد، وعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل.
وأما أبناؤه الذكور فهم: عبد الله، وعبد الرحمن، وزيد الأكبر، وزيد الأصغر، وعبيد الله، وعاصم، وعبد الرحمن الأوسط، وعبد الرحمن الأصغر، وعياض؛ أما الإناث فهن: حفصة أم المؤمنين وزوج النبي ³، ورقية، وفاطمة، وزينب.
خلافته ووفاته. بويع بالخلافة يوم وفاة أبي بكر (سنة ثلاث عشرة للهجرة) بعهد منه. وفي أيامه، فتحت الشام والعراق، والقدس والمدائن ومصر والجزيرة. حتى قيل: انتصب في خلافته اثنا عشر ألف منبر في الإسلام. وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجري، وكانوا يؤرخون بالوقائع، واتخذ بيت مال للمسلمين، وأمر ببناء البصرة والكوفة. وهو أول من دوَّن الدواوين في الإسلام، جعلها على الطريقة الفارسية، لإحصاء أصحاب الأعطيات وتوزيع المرتبات عليهم، ورتب الناس على أسبقيتهم في العطاء والإذن والإكرام. وكان يطوف في الأسواق منفردًا. ويقضي بين الناس حيث يدركه الخصوم. وكتب إلى عماله: (إذا كتبتم لي فابدأوا بأنفسكم). وروى الزهري: كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم وهو أول من تفقد رعيته ليلاً وأول من حمل الدِّرَّة (وهي قطعة من الجلد) وأدَّب بها، ولقد قيل بعده ¸لَدِرَّة عمر أهيب من سيفكم·. وهو أول من سن الجماعة في قيام شهر رمضان وجمع الناس على ذلك، وأول من ضرب في الخمر ثمانين جلدة، وأول من وسّع مسجد الرسول ³، وأخرج اليهود من الحجاز وأجلاهم إلى الشام والكوفة. وكان أول ما فعله، لما ولي، أن ردَّ سبايا أهل الردة إلى عشائرهن، وقال: كرهت أن يصير السبي سبة على العرب. وكانت الدراهم في أيامه على نقش الكسروية، وزاد في بعضها ¸الحمد لله·، وفي بعضها ¸لا إله إلا الله وحده·، وفي بعضها ¸محمد رسول الله·. وكان نقش خاتمه: ¸كفى بالموت واعظًَا ياعمر·. وفي أيامه، عام 18هـ، أصاب الناس مجاعة شديدة، وعرف بعام الرمادة لكثرة ما هلك به من الناس والأنعام جوعاً. وفيه ترك عمر قطع يد السارق وقال: ¸لا يقطع في عذق ولا عام السنة· والعذق: النخلة. فقد رأى عمر أن شرط القطع غير متحقق؛ لأن الضرورة مانع شرعي يبيح للإنسان أكل الميتة والدم ولحم الخنزير، فدرأ عنهم الحد لوجود الشبهة، وهي الجوع الذي لحق بالناس عام الرمادة. استمر الجدب تسعة أشهر، واستسقى عمر بالناس، وسأل العباس أن يدعو الله ويؤمن عمر والناس على دعائه، فأزال الله القحط.
وفي العام نفسه وقع طاعون عمواس بالشام، وهلك فيه خمسة وعشرون ألفاً. ومات فيه أبو عبيدة عامر بن الجراح ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهم. فلما بلغ عمر موتهم أمر على الشام معاوية بن أبي سفيان. طعنه غيلة أبو لؤلؤة فيروز الفارسي (غلام المغيرة بن شعبة) بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح، وعاش بعد الطعنة ثلاث ليالٍ. وكانت ولايته عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال. جعل الخلافة بعده شورى إلى ستة هم (عليّ، عثمان، طلحة، الزبير، سعد، عبد الرحمن بن عوف) وكانت الشورى فيمن يليه في الحكم ثلاثة أيام.