الجاحظ
163 ـ 255 هـ = 780ـ 869 م
1ـ اسمه وكنيته ونسبه
الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب , الكناني البصري .
مولى أبي القلمس عمرو بن قلع الكناني ثم الفقمي أحد النسابين العرب .
قال يموت بن المزرع : " الجاحظ خال أمي، وكان جَدّ الجاحظ أسود , يقال له فزارة ، وكان جمالاً لعمرو بن قلع الكناني
2 ـ مولده ووفاته :
ولد في أول سنة ثلاث وستين ومائة , و مات سنة خمس وخمسين ومائتين في خلافة المعتز وقد جاوز التسعين .
3 ـ مرض الجاحظ الذي عان منه في آخر أعوامه :
قال أبو علي القالي في أماليه :
" حدثنا أبو معاذ عبدان الخولى المتطبب قال : دخلنا يوما بسُرّ من رأى على عمرو بن بحر الجاحظ نعوده وقد فلج ، فلما أخذنا مجالسنا أتى رسول المتوكل فيه ( يدعوه إلى مجلسه )
فقال ( الجاحظ ): وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل ، ولعاب سائل ؟ .
ثم أقبل علينا فقال : ما تقولون فى رجل له شقان : أحدهما لو غرز بالمسال ما أحس ، والشق الآخر يمر به الذباب فيغوث (يصرخ طالبا للنجدة ) ، وأكثر ما أشكوه الثمانون ؟.
ثم أنشدنا أبياتا من قصيدة عوف بن محلم الخزاعي " أهـ
وحدث يَموت بن المزرَّع ـ وكان الجاحظ خاله ـ في " أماليه "قال :
" دخل إلى خالي أُناس من البصرة ، من أصدقائه، في العلَّة التي مات فيها ، فسألوه عن حاله ، فقال:
عليلٌ من مكانينِ *** من الأسقامِ والدَّينَ
ثم قال: أنا في هذه العلَّة التي يُتُخوَّفُ من بعضها التلف، وأعظمها نيِّف وتسعون سنة , يعني عمره ".أهـ
وذكر يموت بن المزرَّع كذلك أن الجاحظ : " كان يطلي نصفه الأيمن بالصندل والكافور لشدَّة حرارته ، والنصف الآخر لو قرص بالمقاريض ما شعر به من خدره وبرده " أهـ
قال الجاحظ لطبيب يشكو إليه علته :" اصطلحت الأضداد على جسدي , إن أكلت باردا أخذ برجلي , وإن أكلت حارا أخذ برأسي ".أهـ
4ـ صفاته وأخلاقه :
قال أحمد الزيات في " كتابه تاريخ الأدب العربي ":
" كان أبو عثمان دميم الخلقة , جهم الوجه , جاحظ العينين ( ومن ذلك لقبه ) , حتى إن الخليفة المتوكل سمع بمنزلته من العلم والفهم فاستقدمه إليه بسُرّ من رأى ليؤدب ولده , فلما رآه استبشع منظره وصرفه بعشرة آلاف درهم .
وكان في الجاحظ دعابة و مَجَانة واستخفاف بالعادات المرعية والآداب الوضعية , ولكنه كان لطيف الروح ذكي الفؤاد فكِه المحاضرة صادق المواساة ".أهـ
5 ـ أساتذة الجاحظ في العلوم والفنون :
سمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري ، وأخذ النحو عن أبي الحسن الأخفش وكان صديقه .
وأخذ الكلام ( أي علم العقيدة ) عن النظام المعتزلي ، حتى صار رأسا في الاعتزال وزعيما لفرقة تسمى الجاحظية .
قال المرزباني : قال أبو بكر أحمد بن علي :" كان أبو عثمان الجاحظ من أصحاب النظام ، وكان واسع العلم بالكلام ، كثير التبحر فيه , شديد الضبط لحدوده ، ومن أعلم الناس به وبغيره من علوم الدين ، وله كتب كثيرة مشهورة جليلة في نصرة الدين ، وفي حكاية مذهب المخالفين , والجاحظ عظيم القدر في المعتزلة , وغير المعتزلة من العلماء الذين يعرفون الرجال ويميزون الأمور " انتهى بتصرف .
وتلقف الفصاحة من العرب شفاهاً بالمربد.
6 ـ حب الجاحظ للكتب وولعه بالقراءة :
حدث أبو هفان قال: " لم أر قط ولا سمعت من أحب الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ ، فإنه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائناً ما كان ، حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر .
والفتح بن خاقان ، فإنه يحضر لمجالسة المتوكل ، فإذا أراد القيام لحاجة أخرج كتاباً من كمه أو خُفِه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده إليه , حتى في الخلاء .
وإسماعيل بن إسحاق القاضي فإني ما دخلت إليه إلا رأيته ينظر في كتاب ، أو يقلب كتباً أو ينفضها ".
حتى أنهم زعموا أن سبب موت الجاحظ كان بسقوط مكتبته عليه .
7 ـ منزلة الجاحظ العلمية :
نقل غير واحد من العلماء كصلاح الدين الصفدي وياقوت الحموي أنه :
" قال بعض أهل الأدب : اتفق أهل صناعة الكلام , على أن متكلمي العالم ثلاثة الجاحظ وعلي بن عبيدة اللطفي وأبو زيد البلخي .
فمنهم من يزيد لفظه على معناه وهو الجاحظ , ومنه من يزيد معناه على لفظه وهو علي بن عبيدة , ومنهم من توافق لفظه ومعناه وهو أبو زيد ".
قال أبو حيان التوحيدي في كتابه " البصائر والذخائر ":
" وأبي عثمان الجاحظ، فإنك لا تجد مثله، وإن رأيت , ما رأيت رجلاً أسبق في ميدان البيان منه ، ولا أبعد شوطاً ، ولا أمد نفسا ً، ولا أقوى منة، إذا جاء بيانه خجل وجه البليغ المشهور ".أهـ
حدث أبو سعيد السيرافي قال:
" حدثنا جماعة من الصابئين الكٌتّاب: أن ثابت بن قرة قال: ما أحسد هذه الأمة العربية إلا على ثلاثة أنفس فإنه:
عقم النساء فلا يلدن شبيهه *** إن النساء بمثله عقم
فقيل له: أحص لنا هؤلاء الثلاثة.
قال: أولهم عمر بن الخطاب في سياسته ويقظته وحذره، وتحفظه ودينه وتقيته، وجزالته وبذالته وصرامته ...( إلى آخر ما ذكر من مناقبه رضي الله عنه ).
ثم قال : والثاني الحسن بن أبي الحسن البصري ، فلقد كان من دراري النجوم علماً وتقوى وزهداً وورعاً وعفةً ورقةً وتألهاً وتنزهاً وفقهاً ومعرفةً وفصاحةً ونصاحةً، مواعظه تصل إلى القلوب ، وألفاظه تلتبس بالعقول ، وما أعرف له ثانياً، ولا قريباً ولا مُدانيا ...ً(إلى آخر ما ذكر من مناقبه رحمه الله )
ثم قال: والثالث أبو عثمان الجاحظ ، خطيب المسلمين ، وشيخ المتكلمين ، ومدره المتقدمين والمتأخرين، إن تكلم حكى سحبان في البلاغة ، وإن ناظر ضارع النظام في الجدال ، وإن جد خرج في مسك عامر بن عبد قيس ، وإن هزل زاد على مزيد حبيب القلوب ومزاج الأرواح ، وشيخ الأدب ولسان العرب .
كتبه رياض زاهرة ، ورسائله أفنان مثمرة ، ما نازعه منازع إلا رشاه آنفا ً، ولا تعرض له منقوص إلا قدم له التواضع استبقاء ً.
الخلفاء تعرفه ، والأمراء تصافيه وتنادمه ، والعلماء تأخذ عنه ، والخاصة تسلم له ، والعامة تحبه .
جمع بين اللسان والقلم ، وبين الفطنة والعلم ، وبين الرأي والأدب ، وبين النثر والنظم ، وبين الذكاء والفهم .
طال عمره ، وفشت حكمته ، وظهرت خلته ، ووطئ الرجال عقبه ، وتهادوا أدبه ، وافتخروا بالانتساب إليه ، ونجحوا بالإقتداء به، لقد أوتي الحكمة و فصل الخطاب ". أهـ بتصرف
8 ـ تراث الجاحظ :
قال المرزباني :
" وله كتب كثيرة مشهورة جليلة في نصرة الدين ، وفي حكاية مذهب المخالفين، وفي الآداب والأخلاق، وفي ضروب من الجد والهزل ، وقد تداولها الناس وقرؤوها وعرفوا فضلها .
وإذا تدبر العاقل المميز أمر كتبه , علم أنه ليس في تلقيح العقول وشحذ الأذهان ، ومعرفة أصول الكلام وجواهره ،وإيصال خلاف الإسلام ومذاهب الاعتزال إلى القلوب , كتب تشبهها ".أهـ
هذا وقد ذكر ياقوت الحموي للجاحظ أسماء ما يقارب 128 عنوانا بين كتاب ورسالة .
لكن أشهر هذه الكتب والرسائل :
ـ أ ـ كتاب البيان والتبيين
ـ ب ـ كتاب الحيوان
ـ ج ـ رسالة التربيع التدوير .
ـ أـ البيان والتبيين :
وهو أحد الكتب الأربعة المهمة في سوق الأدب .
والكتاب ألفه الجاحظ وأهداه للوزير أحمد ابن أبي دؤاد , فنحله الوزير عليه خمسة آلاف , وقد طارت شهرت هذا الكتاب إلى الآفاق في حياة صاحبة ذكر ياقوت الحموي في " كتابه معجم الأدباء " عما حدث به أبو عبد الله الحميدي في كتابه " الجذوة " أن :
" أبا محمد الحسن بن عمرو النجيرمي قال : كنت بالأندلس فقيل لي : إن هاهنا تلميذاً لأبي عثمان الجاحظ يُعرَف بسلام بن يزيد ويكنى أبا خلف .
فأتيته فرأيت شيخاً هرماً فسألته عن سبب اجتماعه مع أبي عثمان , ولم يقع (يدخل) أبو عثمان إلى الأندلس .
فقال: كان طالب العلم بالمشرق يشرف عند ملوكنا بلقاء أبي عثمان ، فوقع إلينا كتاب التربيع والتدوير له فأشاروا إليه ، ثم أردفه عندنا كتاب البيان والتبيين له , فبلغ الرجل الصكاك بهذين الكتابين".
ونال الكتاب الاحترام والتقدير , وإعجاب العلماء به , وتنافس أصحاب المكاتب في اقتنائه , والافتخار بضمه إلى كنوزهم الثمينة , ما لم تنله كثير من الكتب .
قال أبو هلال العسكري في كتابه " الصناعتين ":
" فلما رأيت تخلي هؤلاء الأعلام فيما راموه من اختيار الكلام ، ووقفت على موقع هذا العلم من الفضل ، ومكانه من الشرف والنبل ، ووجدتً الحاجة إليه ماسة ، والكتب المصنّفة فيه قليلة .
وكان أكبرها وأشهرها كتاب البيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، وهو لعمري كثير الفوائد ، جمّ المنافع ، لما اشتمل عليه من الفصول الشريفة ، والفقر اللطيفة ، والخطب الرائعة ، والأخبار البارعة ، وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء ، وما نبّه عليه من مقاديرهم في البلاغة والخطابة ، وغير ذلك من فنونه المختارة ، ونعوته المستحسنة ". أهـ
والكتاب مطبوع ومتداول فمن أحسن طبعاته , الطبعة التي حققها عبد السلام هارون .
ـ ب ـ كتاب الحيوان :
وهو أقل شهرة من البيان والتبيين , وقد ألفه الجاحظ باسم محمد بن عبد الملك الزيات فأعطاه خمسة آلاف دينار مكافئة على تأليفه , وفيه بث الجاحظ معتقداته الاعتزالية .
وهو مطبوع ومن أحسن طبعاته , الطبع التي حققها عبد السلام هارون كذلك , وهي في سبعة مجلدات .
ـ ج ـ التربيع والتدوير :
وقد مر معك قدر هذه الرسالة , وهي رسالة ألفها الجاحظ يرد فيها على أحدهم , و اسمه أحمد بن عبد الوهاب , وضمنها السخرية منه.
ـ المراجع :
ـ أمالي : أبو علي القالي .
ـ أمالي : يموت بن مزرع .
ـ البصائر والذخائر : أبو حيان التوحيدي .
ـ تاريخ الأدب العربي : أحمد الزيات .
ـ الصناعتين : أبو هلال العسكري .
ـ معجم الأدباء : ياقوت الحموي .
ـ الموسوعة الشعرية الإلكترونية : المجمع الثقافي 2003 .