ابن زيدون
394 ـ 463 هـ = 1004 ـ 1071م
ـ الشاعر:
قال صلاح الدين الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات :
" أحمد بن زيدون
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون ، المخزومي الأندلسي القرطبي أبو الوليد ، أثنى عليه ابن بسام في "الذخيرة" , وابن خاقان في "قلائد العقيان" .
وكان من أبناء وجوه الفقهاء بقرطبة ، برع أدبه وجاد شعره وعلا شأنه وانطلق لسانه .
ثم انتقل عن قرطبة إلى المعتضد عباد صاحب إشبيلية سنة إحدى وأربعين وأربع مائة , فجعله من خواصه يجالسه في خلوته , ويركن إلى إشاراته , وكان معه في صورة وزير .
وكان أولاً قد انقطع إلى ابن جهور أحد ملوك الطوائف المغلبين بالأندلس , فخف عليه وتمكن منه , واعتمد عليه في السفارة بينه وبين ملوك الأندلس ، فأعجب به القوم وتمنوا ميله إليهم لبراعته وحسن سيرته ، فاتفق أن نقم
عليه ابن جهور فحسبه .
واستعطفه ابن زيدون بفنون النظم والنثر ، فما أجدى هذا النظم عليه شيئاً ، فلما أعياه الخطب هرب من محبسه , واتصل بابن عباد .
وكتب إلى بعض أصدقائه رسالةً يعتذر فيها من هروبه من السجن، في غاية الحسن .
وكل رسائله مشحونة بفنون الأدب ولمع التواريخ والأمثال من كلام العرب نثراً ونظماً ، وله مع ولادة بنت المستكفي أخبار .
ولم يزل عند عباد وابنه المعتمد قائم الجاه وافر الحرم , إلى أن توفي بإشبيلية سنة ثلاث وستين وأربع مائة وكانت وفاته بالبيرة وسيق إلى قرطبة ودفن بها " انتهى بتصرف .
ـ مناسبة القصيدة:
قال الشاعر هذه القصيدة وهو يتشوق إلى حبيبته , وهي بقرطبة وهو بإشبيلية
وتعد هذه القصيدة من عيون الشعر العربي , فقد نالت شهرة عظيمة , بلغت المشرق والمغرب وقتها , حتى أثنى عليها العلماء , وعارضها الشعراء , وتمثلها العشاق .
قال ابن سعيد المغربي في كتابه " المُغرب في حلى المَغرب ":
" وله في ولادة القصيدة التي ضربت في الإبداع بسهم , وطلعت في كل خاطر ووهم , ونزعت منزعا قصر عنه حبيب وابن جهم ".
وقال عنها الصفدي في كتابه " الوافي بالوفيات ":
" ومن شعره أعني أبا الوليد النونية المشهورة التي أولها:
بنتم وبنا، فما ابتلت جوانحنا *** شوقاً إليكم، ولا جفت مآقينا
واشتهرت إلى أن صارت محدودة , يقال ما حفظها أحد إلا و مات غريبا ".
أما ولادة هذه التي ذكرها ابن سعيد , فهي كما أخبر عنها صلاح الدين الصفدي في كتابه الوافي بالوافيات , حيث قال:
" ولاّدة بنت محمد ، هو المستكفي بن عبد الرحمن الأموي ، كانت واحدة زمانها , المشار إليها في أوانها , حسنة المحاضرة , مشكورة المذاكرة ، كتبت بالذهب على طرازها الأيمن :
أنا والله أصلحُ للمعالي *** وأمشي مشيَتي وأتيهُ تيها
وكتبت على طرازها الأيسر:
وأُمكِنُ عاشقي من صَحنِ خدّي *** وأُعطي قُبلةَ من يشتهيها
وكانت مع ذلك مشهورة بالصيانة والعفاف ، وفيها خلع ابن زيدون عِذارَه ( أسقط حياءه ) , وله فيها القصائد
والمقطعات , منها القصيدة النونية المذكورة في ترجمة ابن زيدون .
وكان لها جارية سوداء بديعة الغناء , ظهر لولادة من ابن زيدون مَيلٌ إلى السوداء ، فكتبت إليه:
لو كنتَ تُنصِفُ في الهوى ما بيننا *** لم تهوَ جاريتي ولم تتخيَّرِ
وتركتَ غصناً مُثمِراً بجماله *** وجَنَحتَ للغصن الذي لم يُثمِر
ولقد علِمتَ بأنني بدرُ السما *** لكن ولِعتَ لشقوتي بالمشتري
وكان مجلسُ ولادة بقرطبة منتدىً لأحرار المصرِ , وفِناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر , يتهالك أفراد الكُتّاب والشعراء على حلاوة عشرتها , وسهولة حجابها .
ـ القصيدة:
بنتم وبنا، فما ابتلت جوانحنا *** شوقاً إليكم، ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا *** يقضى علينا الأسى، لولا تأسينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت *** سوداً، وكانت بكم بيضاً ليالينا
إذ جانب العيش طلق من تألفنا *** ومورد اللهو صاف من تصافينا
وإذ هصرنا غصون الوصل دانية *** قطوفها، فجنينا منه ماشينا
ليسق عهدكم عهد السرور، فما *** كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم *** حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا
أن الزمان الذي كنا نسر به *** أنساً بقربهم، قد عاد يبكينا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا *** بأن نغص، فقال الدهر آمينا
فانحل ما كان معقوداً بأنفسنا *** وانبت ما كان موصولاً بأيدينا
وقد نكون وما يخشى تفرقنا *** فالآن نحن وما يرجى تلاقينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم *** رأياً، ولم نتقلد غيره دينا
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا *** أن طال ما غير النأي المحبينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً *** منكم، ولا انصرفت عنكم أمانينا
ولا اتخذنا خليلاً عنك يشغلنا *** ولا اتخذنا بديلاً منك يسلينا
يا ساري البرق غاد القصر فاسق به *** من كان صرف الهوى والود يسقينا
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا *** من لو على البعد حيي كان يحيينا
يا روضة طالما أجنت لواحظنا *** ورداً جناه الصبا غضاً ونسرينا
ويا حياة تملينا بزهرتها *** منى ضروباً، ولذات أفانينا
ويا نعيماً خطرنا من غضارته *** في وشي نعمي سحبنا ذيلها حينا
لسنا نسميك إجلالاً وتكرمة *** وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا
إذا انفردت، وما شوركت في صفة *** فحسبنا الوصف إيضاحاً وتبيينا
يا جنة الخلد، بدلنا بسلسلها *** والكوثر العذب زقوماً وغسلينا
كأننا لم نبت، والوصل ثالثنا *** والسعد قد غض من أجفان واشينا
سران في خاطر الظلماء يكتمنا *** حتى يكاد لسان الصبح يفشينا
لا غرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت *** عنه النهى وتركنا الصبر ناسينا
إنا قرأنا الأسى يوم النوى سوراً *** مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا
أما هواك فلم نعدل بمنهله *** شرباً وإن كان يروينا فيظمينا
لم نجف أفق جمال أنت كوكبه *** سالين عنه ولم نهجره قالينا
نأسي عليك إذا حثت مشعشعة *** فينا الشمول وغنانا مغنينا
لا أكؤس الراح تبدي من شمائلنا *** سما ارتياح ولا الأوتار تلهينا
دومي على الوصل ما دمنا محافظة *** فالحر من دان إنصافاً كما دينا
أبدي وفاء وإن لم تبذلي صلة *** فالطيف يقنعنا، والذكر يكفينا
وفي الجواب متاع، إن شفعت به *** بيض الأيادي التي ما زلت تولينا
عليك مني سلام الله ما بقيت *** صبابة بك نخفيها فتخفينا
ـ المرجع :
ـ المُغرب في حلى المغرب : ابن سعيد المغربي .
ـ الوافي بالوفيات : صلاح الدين الصفدي .
ـ الموسوعة الشعرية : المجمع الثقافي 2003 .