ـ قالت العرب: تسمع بالمُعَيديِّ لا أن تراه
هكذا رواه الأصمعي .
ورواه غيره : " أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه " .
والمثل لشِقّة بن ضَمرة , ويقال للنعمان بن المنذر ., والمُعيدي : تصغير مَعدّيّ , والدال يخفف ويثقل في هذا المثل , والأصل التثقيل , وقال بعضهم : هو منسوب إلى مُعيد , وهو اسم قبيلة .
ـ المناسبة التي قيل فيها المثل :
أن رجلا من بني تميم , يقال له ضمرة كان يُغِير على مسالح ( حدود مملكة ) النعمان بن المنذر , حتى إذا عِيل صبر النعمان كتب إليه: أن أدخل في طاعتي , ولك مائة من الإبل .
فقبلها وأتاه , فلما نظر إليه ازدراه , وكان ضمرة دميما .
فقال النعمان: " تسمع بالمعيدي لا أن تراه " .
فقال ضمرة مهلا أيها الملك , إن الرجال لا يُكالون بالصِّيعان , وإنما المرء بأصغرَيه , قلبه ولسانه إن قاتل قاتل بجنان , وإن نطق نطق ببيان .
قال النعمان: صدقت لله درّك , هل لك علم بالأمور وولوج فيها؟ .
قال ضمرة : والله إني لأبرم منها المسحول , وأنقض منها المفتول , وأجيلها حتى تجول , ثم أنظر إلى ما تؤول , وليس للأمور بصاحب من لم ينظر في العواقب .
قال النعمان: صدقت لله درك , فأخبرني ما العجز الظاهر , والفقر الحاظر , والداء العَياء , والسَّوأة السَّوآء؟
قال ضمرة: أمّا العجز الظاهر فهو الشاب القليل الحيلة , اللزوم للحليلة , الذي يحوم حولها , ويسمع قولها , إن غضبت ترضاها , ولإن رضيت تفدّاها , وأما الفقر الحاضر فالمرء لا تشبع نفسه , وإن كان من ذهب خِلسه , وأمّا الداء العياء فجار السوء , إن كان فوقك قهرك , ولإن كان دونك هزمك وإن أعطيته كفرك , وإن منعته شتمك , فإن كان ذلك جارك فأخل له دارك , وعجِّل منه فرارك , وإلا فأقم بذل وصغار , وكن ككلب هرَّار .
وأما السوأة السوآء فالحليلة الصخابة , الخفيفة الوثابة , السليطة السّبابة , التي تعحب من غير عجب , وتغضب من غير غضب , الظاهر عيبها , المخوف غيبها , , فزوجها لا تصلح له حال , ولا ينعم له بال , إن كان غنيا لم ينفعه غناه , وإن كان فقيرا أبدت له قِلاه , فأرح الله منها بعلها , ولا متع بها أهلها .
فأعجبَ النعمانَ حسنُ كلامه , وحظور جوابه , فأحسن جائزته , وأحتبسه قِبَله .
ـ المرجع : كتاب جمهرة الأمثال : لأبي الهلال العسكري . بتصرف في المادة .