بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي ارسله رب العزة شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا اما بعد
تعريف الحوار
الحوار : من المُحاورة ؛ وهي المُراجعة في الكلام 1-
ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس : مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي
قال تعالى{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ()إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ }هود
2- الغاية من الحوار قد يبدو الفارق بين دافع الحوار وغايته دقيقاً ، ولكننا إذا عرفنا أنّ الدافع هو (المنطلق) والهدف هو (الغاية) وإنّ الحوار ذاته هو الخط الواصل بين المنطلق والغاية عرفنا موقع كلّ منهم في الحوار .
وقد سبقت الاشارة إلى أنّ الغاية من الحوار قد تكون ذاتية ، فأنت تسعى للانتصار لذاتك حتى يقول أصدقاؤك أ نّك غلبت فلاناً وأنت أقدر منه في الحوار ، فيتركّز اهتمامك على شكل الحوار لا على الانتصار للحقيقة .
ولكي تعرف الغاية من حواراتك ، هل هي لـ (البحث عن الحقيقة) أو (إثبات الذات) يمكنك طرح الأسئلة التالية على نفسك :
ـ هل سأقبل بالحقيقة حتى ولو كانت عند غيري ؟
ـ هل سأكابر وأغالط حتى لو انبلج نور الحقيقة واضحاً ساطعاً ؟
ـ هل ستكون الحقيقة المنشودة أكبر من ذاتي فأقرّ بها ، أم أنّ ذاتي ستكون أكبر من الحقيقة لتدوسها بقدميها إذا كانت تعرّضني أو تعرّض مصالحي إلى الخطر ؟
وبقدر ما تجيب بصدق على هذه الأسئلة ، فإنّك ستعرف غايتك من الحوار ، ذلك أنّ البعض يحاور على طريقة «أنا أحاور فأنا موجود» فالغاية كسب الشهرة وهزيمة الآخر لا هزيمة الباطل أو الخرافة أو التخلّف ، فإذا كنت تطلب الشهرة لذاتك لا للحقيقة فأنت تبحث عن ذاتك لا عن الحقيقة .
إنّ نسبة كبيرة من الحوارات يغيب فيها الجانب الموضوعي ويطغى الجانب الذاتي ، وهو ما يخرج الحوار عن أخلاقيته الاسلامية ، لكن ذلك لا يعني أن تلغي ذاتك تماماً ، فأنت حينما تشعر بالرضا والسعادة لأنّ الحقيقة انتصرت بعد أن دافعت عنها ، تشكر الله على توفيقه لك في أ نّك كنت جندياً مخلصاً من جنود الحقيقة . وهذا بحدّ ذاته يدخل عليك حالة من الابتهاج وراحة الضمير لأ نّك جعلت ذاتك تسير في خط طاعة الله ، وهل الإيمان غير هذا ؟!
أصول الحوار وآدابه..
دع الطرف الأخر يتكلم ويعرض قضيته, ولا تقاطعه 1-
يقول ابن المقفع :
تَعلَّمْ حُسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ؛ ومن حسن الاستماع : إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه . وقلة التلفت إلى الجواب . والإقبال بالوجه . والنظر إلى المتكلم . والوعي لما يقول
و يقول في ذلك (دايل كارنيجي) في كتابه: “كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء”؛ : إذا كنت تريد أن ينفض الناس من حولك، ويسخروا منك عندما توليهم ظهرك وتتركهم، فإليك الوصفة: لا تعط أحدًا فرصة للحديث، تكلم بدون انقطاع، وإذا خطرت لك فكرة بينما غيرك يتحدث، فلا تنتظر حتى يتم حديثه، فهو ليس ذكيًّا مثلك! فلماذا تضيع وقتك في الاستماع إلى حديثه السخيف؟ اقتحم عليه الحديث، واعترض في منتصف كلامه، واطرح ما لديك.
أبِدْأ الحوار بمواطن الاتفاق,2-
حتى يكون الحوار هادفا وهادئا .. ويكتسب روح التفاهم والثقة , ويقلل الجفوة
الإنصاف والموضوعية ..3-
كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: “ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويُسدَّد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما ناظرت أحدًا إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو لسانه أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (9/118)،
لا تتعصب لرأيك..4-
وفي ذلك يقول الغزالي : ( إن التعصّب من آفات علماء السوء ، فإنهم يُبالغون في التعصّب للحقّ ، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار ، فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة ، وتتوفر بواعثهم على طلب نُصرة الباطل ، ويقوى غرضهم في التمسك بما نُسبوا إليه . ولو جاؤوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة ، لا في معرض التعصب والتحقير لأنجحوا فيه )
5- اعتدال الصوت , والتواضع في القول والفعل
أن الصوت المرتفع والانفعال لا يؤديان لنتيجته ,فالشواهد العلمية أثبتت أن الحقائق التي تعرض بهدوء اشد أثرا فى إقناع الآخرين مما يفعله التهديد والانفعال في الكلام .
التراجع عن الخطأ ..6-
وذلك يعتبر من الشجاعة أن تتراجع عن رأيك أن لم يكن صوابا ولا تتمسك به .وان تترك التعصب لغير الحق فأن الجوع إلي الحق فضيلة
احترام رأي محاورك ..7-
ومن بديع احترام رأي الآخرين، ما ينقل عن الإمام مالك: أنه لمـَّا ألَّف الموطأ، ومكث أربعين سنة يؤلفه، وقرئ عليه آلاف المرات، وعرضه على سبعين من العلماء فأقروه عليه، وتعب فيه أيما تعب، ومع ذلك لمـَّا بلغ الخليفة المنصور كتاب مالك وأعجبه، وقال: إنا نريد أن نعممه على الأمصار، ونأمرهم بإتباعه؛ قال له الإمام مالك: “لا تفعل -رحمك الله-، فإن الناس سبقت منهم أقاويل، وسمعوا أحاديث ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وما أتوا به، وعملوا بذلك ودانوا به وكل ذلك من اختلاف أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، ثم من بعدهم من التابعين، ورد الناس عما اعتقدوه ودانوا به أمر صعب شديد، فدع الناس وما هم عليه، ودع أهل كل بلد وما اختاروا لأنفسهم”(سير أعلام النبلاء (8/61)
عدم تهويل مقالة الطرف الأخر , والاعتداء في وصفه ..8-
وفي ذلك اقتدأ برسول لله ففي صحيح البخاري عن عبد لله بن عمرو ابن العاص ـ رضي الله عنه ـ انه قال: ( لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاحشاً ومتفحشاً )وكان يقول : ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا)
لا تصر على الفوز 100%.. واسمح للمحاورك بالحفاظ على ماء وجهه ..9-
فقد لا يكون عندك الحق الكامل, وأعلم أن المقصد من المحاورة هو إظهار الحق ولا حاجة إلى اللجوء إلى تبكيت الشخص الذي تخاصمه وإحراجه والسخرية منه .
موقف يدل على أهميه الحوار لعمر بن عبد العزيز مع الخوارج ..
“فإنه لما بقيت منهم في الموصل بقية، كتب إليهم عمر ابن عبد العزيز رحمه الله -الخليفة الأموي العادل- ينكر خروجهم، ويقول لهم: “أنتم قليل أذلة”، فردُّوا عليه
وقالوا: أما قولك: إنا قليل أذلة، فإن الله تعالى يقول لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأََرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال:26]، فردوا عليه بذلك.
فوجَّه إليهم عمر بن عبد العزيز فقيهًا اسـمه: عون ابن عبد الله، وهو أخو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين.
- فقال لهم عون بن عبد الله: إنكم كنتم تطلبون حاكمًا في مثل عدالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلمَّا جاءكم هذا الحاكم كنتم أنتم أول من نفر عنه وحاربه.
- قالوا: صدقت، ولكنه لم يتبـرأ ممن قبله ولم يلعنهـم، فلم يلعن علي بن أبي طالب، ولا معاوية، ولا بني أمية؛ لذا فنحن نحاربه -وهذا هو مذهب الخوارج-.
- قال لهم: كم مرة في اليوم تلعنون فيها هامان؟
- قالوا: ما لعنّاه قط!
- قال: أيسعكم أن تتركوا لعن وزير فرعون الطاغية، والمنفذ لأوامره، والذي بنى صرحه بأمره، ولا يسعكم أن تتركوا لعن أهل قبلتكم، إن كانوا أخطأوا في شيء، أو عملوا بغير الحق؟!!
فسكتوا ورجع منهم طائفة كبيرة.
فَسُرَّ بذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، وقال لهذا الرجل: لماذا لم تحتجّ عليهم بعدم لعن فرعون؟ - قال: لو قلت لهم: لماذا لا تلعنون فرعون؟ ربما قالوا: إننا نلعنه، أما هامان فقلَّ من يلعنه علىألسنة الناس، فلذلك اخترته.
يقول الشافعي : ” ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة “
الحوار مع غير المسلمين
ا هو معلوم لدى الجميع أن الإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه أيا كان، والله جل وعلا يقرر هذا الأمر في كتابه العزيز فيقول: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ...." ويقول سبحانه "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" وقال تعالى "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء"
ذلك أن الإسلام لا يقبل النفاق بحال من الأحوال، والإسلام كما هو معلوم شيء يستقر في القلب أولا، فكيف يمكن أن يكره الإسلام غير المسلم على الدخول فيه وهو شيء اعتقادي لا بد فيه من موافقة القلب للسان، وهو غير متوفر في حالة الإكراه.
والإسلام أيضا مع هذا يوجب على المسلمين دعوة غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا شك أن هذا الأمر سينشئ نوعا من الحوار ولا بد، إذ أن من حق كل شخص أن يدافع عن معتقده بالأدلة والبراهين، كما أنه لا يمكن لأحد أن يتخلى عن دينه ويدخل دينا آخر إلا إذا استطاع أن يزيل ما في نفسه من تساؤلات واستفسارات.
ويتميز الإسلام عن غيره بوضوح عقيدته وصفائها وعدم وجود ما يناقض العقل السليم والنهج القويم، ولأجل ذلك كان مبدأ الحوار الهادف في الإسلام.
ومع إقرار الإسلام لمبدأ الحوار مع غير المسلمين حول الإسلام وعقيدته وتشريعاته، إلا أن هذا الحوار له أساس يبنى عليه وشروط وضوابط وحدود ينتهي إليها ولا يتجاوزها إلى غيرها