بحث قيم حول :
دور السلطة التشريعية في رسم السياسة العامة بالجزائر.
مداخلة للاستاذ : عبد النور زوامبية يتحدث فيها عن دور السلطة التشريعية في رسم السياسة العامة في الجزائر
المقدمة :
تتميز السياسة العامة التي يقررها وينفذها النظام السياسي بالتنوع والشمول، والتغلغل الذي يمس كافة جوانب الحياة في المجتمع، وصنع السياسات الحكومية أو العامة لحل مشاكل المجتمع هي عملية سياسية في المقام الأول، وتتميز بالصعوبة والتعقيد وتختلف طبيعة وإجراءات صنع السياسة العامة من دولة إلى أخرى تبعا للنظام السياسي ودور الأجهزة الحكومية وغير الحكومية في كل منها، وبمعنى اقرب للوضوح يمكن القول أن السياسة العامة هي نتاج تفاعل ديناميكي معقد يتم في إطار نظام فكري بيئي سياسي محدد تشترك فيه عناصر معينة رسمية وغير رسمية يحددها النظام السياسي، ومن أهم هذه العناصر: دستور الحكم في الدولة الأيديولوجية أو الفلسفة السياسية للسلطة الحاكمة، السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية، الأحزاب السياسية، جماعات المصالح، الصحافة والرأي العام، الإمكانات والموارد المتاحة وطبيعة الظروف العامة للبلد.
إن صنع السياسة العامة ليس عملية سهلة، بل هي على درجة من الصعوبة والتعقيد. فهي عملية حركية بالغة الحساسية والتعقيد، وتشمل على العديد من المتغيرات والمؤثرات وعوامل الضغط التي يؤدي تداخلها وتفاعلها المستمران إلى إنتاج سلسة من ردود الفعل التي تنصرف بدورها إلى كل جوانب العمل داخل النظام السياسي .
وتنطوي عملية صنع السياسة العامة على عدة خصائص، وتمر بمراحل مختلفة في طبيعتها وحدتها وتعقيدها من دولة لأخرى وفقا لعوامل كثيرة أهمها النظام السياسي و نظام الحكم في كل منها . ففي النظم البسيطة تتمثل المؤسسة المعنية بتخطيط وصنع القرارات في مجموعة رجال راشدين أو كبار السن الذين يجتمعون على هيئة مجلس يتخذ القرارات في ضوء معايير وعادات وتقاليد المجتمع. وفي النظم الملكية ضمت أبنية صنع السياسات الملوك وأعوانهم، وتميزت الإمبراطوريات بوجود بناء مختص في إعداد هذه السياسات، وشهد القرن التاسع عشر، ظهور الأحزاب وازدياد دور الجماهير في الحياة السياسية، وهذان العاملان مهدا لظهور نمط صنع السياسات عن طريق الوزارة والسلطة التشريعية.
وبمعنى آخر أن النظام السياسي في كل دولة هو الذي يحدد كيفية رسم السياسة العامة، وبالتالي يحدد دور الأفراد والجماعات غير الرسمية في تحديد المشاكل وطرحها على الحكومة وفي استخلاص الحلول البديلة والاختيار من بينها. ويعين القنوات التي يمكن عن طريقها للأفراد والجماعات وإحداث تأثير في إجراءات العمل الحكومي وفي أصحاب سلطة اتخاذ القرار السياسي الرسمي بما يترتب عليها تبني حلولا يقترحونها كسياسة عامة.
كما أن نظام الحكم والسياسة هو الذي يحدد أيضا خطوات العمل الرسمي، التي تتبع داخل الحكومة لدراسة المشكلة العامة، تخطيط وصنع السياسة العامة لحلها، إقرار هذه السياسة، تمويلها، تنفيذها، وتقييم آثارها ونتائج تنفيذها. كما يحدد الأجهزة التي تساهم في هذه العمليات ودور كل منها وكيفية التنسيق بينها للوصول إلى قرار بسياسة عامة تحقق رضا عاما .
ويعد البرلمان من أهم المنظمات الرسمية الحكومية التي تضطلع أساسا بتشريع اللوائح والأنظمة والقوانين ووضع القواعد العامة التي تنظم مختلف أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن دور المشرعين أو البرلمان يختلف من حيث التأثير في صنع السياسة العامة وتحليلها بين القوة والمحدودية حسب طبيعة وشكل النظام السياسي وتأثير المتغيرات الداخلية والخارجية.
وفي ظل موجة التحول الديمقراطي والإصلاحات السياسية التي تشهدها الدول النامية يثور التساؤل حول دور البرلمانات في الحياة السياسية وفي صنع السياسة العامة والمساهمة في تجسيد الإصلاحات السياسية.
تعتبر الجزائر من بين الدول النامية التي عرفت إصلاحات دستورية وسياسية مهدت للتغيير في طبيعة النظام السياسي ومؤسساته السياسية، أصبح البرلمان تعددي مكون من غرفتين يضم أعضاء معينين في الغرفة الثانية (خبراء السياسة العامة)، ونواب منتخبين يمثلون مختلف المصالح والقوى السياسية، فصار البرلمان محل للنقاش ولا يزال تفعيله وقياس أداءه موضوعا مطروح للدراسة.
الإشكالية:
ما مدى فاعلية البرلمان الجزائري كمؤسسة معنية بصنع السياسة العامة؟
المداخل النظرية في السياسة العامة:
هل أن صناعة سياسة عامة بإتباع طرق علمية وعملية سيؤدي إلى نتائج مرجوة تستجيب و ترد على تطلعات المواطنين في دولة ما؟، وكيف تطبق ميدانيا؟
I. أسباب الاهتمام بالسياسة العامة:
يرجع “توماس داي”، أسباب الاهتمام بتحليل السياسة العامة إلى ثلاث أسباب ، يمكن إدراجها كالتالي:
1- أسباب علمية: بمعنى أن هذه الدراسة يمكن أن تتحقق عن طريق الفهم المعمق للمجتمع، من خلال معرفة مصادر ونتائج قرارات السياسية العامة أي أن هذه الأخيرة يمكن تناولها كمتغير تابع، عندما يثور التساؤل حول ماهية القوى البيئية والخصائص المؤسسية التي تساهم في تشكيل السياسة وتحديد مضمونها، وفضلا عن ذلك قد ينظر إليها كمتغير ثابت، فيتعلق السؤال بالنتائج التي تطرحها السياسة العامة على البيئة والنظام السياسي، ومثل هذه التساؤلات وغيرها تثري المعرفة بالروابط بين البيئة والتفاعلات السياسية والسياسة العامة، وهو ما يساعد على التطوير النظري لهذا الحقل بصفة عامة.
2- أسباب عملية: بمعنى أن دراسة السياسة توفر للباحث السياسي إمكانية توظيف معارفه في حل المشكلات العملية، إذ يغلب أن تخلص هذه الدراسات إلى توصيات بشأن ماهية السياسات الملائمة لتحقيق الأهداف المبتغاة.
3- أسباب سياسية: وهنا ينصرف هدف الدراسة إلى التأكيد من أن الدول تتبنى الأفضل من السياسات لتحقيق الأهداف العامة، فكثيرا ما يتردد من أن علماء السياسة ملزمون بتطوير السياسة العامة وإثراء النقاش السياسي عن طريق دارسة الأداء الحكومي في الميادين المختلفة.
.التحليل الكلاسيكي للسياسة العامة:
تشكل السياسة العامة اليوم، أحد القطاعات الأكثر دينامكية للعلوم السياسية فمنذ عشرات السنين تعددت الأعمال المنقولة في إطار وطني أو في نظرة مقارنة من بلد لبلد دون إهمال الدراسات المنجزة على السياسات الأوربية. والأسباب في ذلك متنوعة لكن من بينها نسطر الشكوك القائمة حول اقتراب التحليل من المشاكل الميدانية وأيضا الارتياب المتناظر عند المسيرين لجعل الجهود القانونية، المالية والإدارية للقوة العامة أكثر إنتاجية بالمفهوم النيوليبرالي الذي يعد مكسب على السلم الدولي. هذا الأخير يحتم على التبرير الجيد لسياسات التدخل أو التأطير، بدراسة أولا ديناميكيتها، وتأثيراتها الواقعية، ومن جهة أخرى فإن تنامي الليبرالية أبدى ضرورة وجود أشكال جديدة للعمل (التدخل) لمحاولة الوقاية من بروز مخاطر غير متوقعة كونيا: دمار رهيب للبيئة أو عدو التوازن المناخي، ندرة الموارد غير القابلة لإعادة الإنتاج، الانتشار الواسع للأوبئة والأمراض في عالم يشهد حركية واسعة للسلع والأشخاص.
فالسياسة العامة هي: «(L’expression d’une volonté gouvernementale d’action ou d’inaction)» ويمكن تعريفها أيضا كمجموعات بنيوية ، معرفة متلاحقة، اهتمامات ، قرارات أو إنجازات خاصة بالسلطة العمومية (محلية، للتهيئة للسياحة… الخ). تأخذ شكل عقود تشريعية أو قوانين مضبوطة من طرف أعضاء قرارات منتخبين، لكن ما يهم خاصة هو المنح للمنافع و الموارد بفضيلة عبر إجراءات قانونيا إجبارية، التي تشهد أولوية القوة العامة.
في الأخير، يمكن القول أن السياسة العامة بمفهومها هذا تضخم فكرة التلاحم المتداولة أو المفرزة مرة أخرى، وهذا لا يعني بالأكيد أن هؤلاء المؤلفين لديهم بالضرورة نظرة واضحة حول ما يدور، أو على الأقل عن التأثيرات المحدودة لعمل المؤسسات ببساطة مفهوم السياسة العامة يدفع للتفكير في القرارات غير المعزولة ولكن المدمجة في حد أدنى من الاستمرارية، ومشروط بمصب (Aval) وتشترط منبع Amont)) .
#
؟؟ قال:
يناير 29th, 2010 at 29 يناير 2010 6:58 م
يتبع /السلطة التشريعية في صنع السياسة العامة في الجزائر:
يعتبر المجلس التشريعي هو الطرف المنوط بتحمل مسئولية تمرير التشريعات والميزانيات اللازمة لتنفيذ السياسات العامة بجانب مراقبة ومتابعة تنفيذ الحكومة، وتوفير البيانات للمشرعين وزيادة قدرتهم النقاشية مع ضمان تضمين البعد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي فى أي سياسة، فإن السلطة التشريعية في الدول المعاصرة أضحت تعبير صادق عن أرادة المجتمع وأولوياته التي يجسدها المشرع في صورة قواعد عامة تحكم التفاعلات بين الأفراد والجماعات، وتنظم العمل والعيش المشترك بينهم. وبالرغم أن السلطة التشريعية ليس مجرد جهة تشريع أو وسيلة للرقابة على أعمال السلطة التنفيذية فحسب، ولكنه في الأصل جهة صنع السياسات العامة التي تقوم “الحكومة” بتنفيذها، إلا أن هدا ليس لا يبدو متحققا فى كثير من دول العالم الثالث إذ يؤكد البعض ان الدور الفعال الذي تلعبه برلمانات الدول المتقدمة في العملية التشريعية، وصنع السياسات العامة لا يضاهيه دورا لبرلمانات الدول النامية حيث أضحت الوظيفة الرقابية عمليا هي الشغل الشاغل لمعظم برلمانات الدول النامية وليس عملية صنع السياسة العامة، وذلك بعد هيمنة الحكومة على صنع السياسات العامة وكونها مصدر معظم التشريعات، فهي التي تمتلك القدرة على التنفيذ، وهي المخولة بوضع اللوائح التنفيذية للقوانين، وهي التى تمتلك القدرات الفنية والإدارية وقواعد المعلومات اللازمة لصنع وتنفيذ السياسة.
ومن ثم تعتبر قضية تفعيل دور السلطة التشريعية سواء على المستوى الرقابي أو حتى تفعيل دوره في صنع السياسات العامة جزءا لا يتجزأ من الإصلاح السياسي وتحقيق التنمية المأمولة في أي من دول العالم الثالث، إذ من المفترض أن تتضمن السلطة التشريعية قطاعات كبيرة من الشعب الذين قد ينقصهم “التمكين” و المشاركة في صنع السياسات التي تؤثر على حياتهم اليومية. ولكي تساهم السلطة التشريعية بدورها الفعال في عملية صنع السياسة العامة، ومن ثم عملية التنمية الاقتصادية عليها أن تعمل على:
1-التشاور: مع المجتمع المدني والقطاع الخاص لضمان المشاركة وخاصة وانه في ظل معظم الدساتير، تعد التشريعات هي أكثر العناصر تمثيلاً للحكومة الوطنية.
2-تحقيق الأهداف: إذ يتم تصميم السياسة العامة لضمان تحقيق الأهداف المرسومة وبالمشاركة مع أفراد الشعب.
3-الشمول: نظرا إلى الانتشار الجغرافي والتغطية السياسية وتنظيم هيكل لجان السلطة التشريعية حسب القطاعات، فمن المفترض أن تتمكن هياكل الأجهزة التشريعية من مناقشة نظرة قومية شاملة لتنفيذ السياسة حتى إذا تأثرت هذه النظرة بالمصالحة الجغرافية الخاصة.
4-موازنة المصالح السياسية: إن أي من هذه القرارات المتعلقة بالسياسات العامة إنما تؤثر على التأييد الشعبي للأحزاب السياسية أو مسئولي الأجهزة التنفيذية. بينما تولي السلطة التشريعية لهذه القضية، وهو الجهاز الذي يضم العديد من الفاعلين السياسيين ذوي السلطة الدستورية التي تخولهم حق الرقابة على قرارات السلطة التنفيذية، يمكنه من موازنة المصالح السياسية للحزب الحاكم في صياغة أى سياسة عامة.
5-ضمان استمرار تنفيذ السياسات على المدى القصير والطويل: خاصة بعد الحصول على موافقة الفاعلين السياسيين الأعضاء في السلطة التشريعية سواء من داخل الحزب الحاكم أو المعارضة وهو ما يضمن أكبر حجم من التأييد للإستراتيجية، وعدم تأثر تنفيذها بالتغير في المناخ السياسي الداخلي. ولضمان تحقيق هذا الهدف يجب إشراك السلطة التشريعية في وضع الاستراتيجية منذ البداية قبل الحصول على الموافقة عليها وقبل دراسة الميزانية.
و يعتبر كل ماسبق أمرا ضروريا لضمان استمرارية التنفيذ والنجاح لأي سياسة عامة.
وبعبارة أخرى، هناك عدة عوامل تدعم فرض التطوير التشريعي في الجزائر، وتعزز قدرات السلطة التشريعية، وأهمها:
الشروط الذاتية الشرط الموضوعية
- رغبة النواب - قدرات مؤسسة السلطة التشريعية:
- معرفة النواب - الموارد البشرية
- قدرة النواب - الهياكل والأساليب الإدارية
- تمويل، قدرات مادية وتقنية
المقومات البيئية
محلية: خارجية:
- المجتمع المدني - مشروعات تطوير ودعم برلماني
- الأحزاب - منظمات برلمانية إقليمية ودولية
- وسائل الإعلام - تبادل الخبرات المتخصصة
- الجامعات ومراكز البحوث - الجهاز الإداري للدولة
توصيات واقتراحات:
1- تقسيم المشاركين إلى مجموعتين للاستفادة من الخبرات المختلفة في عملية صنع السياسة العامة
2 -استقراء وجهات النظر وكتابة تقرير جماعي عن معوقات دور السلطة التشريعية في صنع السياسة العامة
3- طرح النموذج السابق والتطبيق على سياسة هي الأقرب إلى اهتمام معظم المشاركين فى المجموعة الأولى ثم الطلب من المجموعة الثانية التعليق على ما تم تطبيقه ومليء الدوائر الفارغة في النموذج من خلال مردود المشاركين.
المصدر : مداخلة عبد النور زوامبية في الملتقى الوطني للسياسات العامة ودورها في بناء الدولة وتنمية المجتمع بجامعة سعيدة 2009