الجزء الاول:ماهية الاقتصاد الصناعي.
مقدمة:
يعتبر الاقتصاد الصناعي من بين العلوم الحديثة التي ظهرت مع ظهور الصناعة و كبر حجم السوق، حيث يركز هذا العلم حول حركية الصناعة وطريقة عملها، بحيث يعتمد في تحليل الصناعة علي النموذج المعروف في الاقتصاد الصناعي بـ الهيكل السلوك- الأداء، بمعني أن الاقتصاد الصناعي يركز في التحليل علي محورين أساسيين هما المؤسسة والسوق، ويأخذ المؤسسة من خلال السلوكيات المختلفة لها في السوق وفق الأنواع المختلفة لهيكل الصناعة من جهة، و انعكاس كل ذلك علي أداء المؤسسة وتطورها في الصناعة التي تنشط فيهامن جهة اخرى، بينما يأخذ المحور الآخر والمتمثل في السوق من خلال أنواعه المختلفة، التي يتطلب كل نوع منها سلوكيات معينة من قبل المؤسسة من جهة، ومن جهة أخرى السياسات التي تتبعها الدولة في سبيل التأثر علي هيكل السوق ،وذلك كله من أجل توجيه سلوك المؤسسات العاملة فيه.
اولا:مفهوم الاقتصاد الصناعي
إن تعريف الاقتصاد الصناعي بالشكل المفصل صعب جدا، لأن المناهج التي يعتمد عليها كما يؤكد الاقتصاديين الصناعيين تعتبر شديدة التنوع، وكما يتميز أيضا بكثرة أدوات التحليل، حيث يهتم الاقتصاد الصناعي بدراسة سلوك المؤسسات في ما يخص الإنتاج والبيع وتحليل مركزها التنافسي، والواقع أن فهم آليات المنافسة تعتبر ذات أهمية كبيرة في مجال الاقتصاد الصناعي.
ويمكن تعريف الاقتصاد الصناعي علي أنه "العلم الذي يهتم بتحليل الصناعات والأسواق، وبسلوك المنشآت العاملة في تلك الأسواق، وبأسلوب أكثر تحديدا فهو يتعامل مع الاعتماد المتبادل بين المنشآت في هذه الأسواق والعلاقات الموجودة بين ظروف السوق، وسلوك المنشأة والأداء الاقتصادي".
ويعرف علم الاقتصاد الصناعي علي أنه "هو مجال التحليل الاقتصادي الذي يهدف إلى :
- شرح عملية تبادل العلاقات بين الشركات العاملة في نفس السوق.
- لتحليل تأثير هذه العلاقات على تنظيم وتشغيل هذه الصناعة أو السوق.
- وتوفير أدوات للسياسة الصناعية وتنمية التكنولوجيا لصالح الحكومة أو السلطات التنظيمية.
هذا المجال عموما يسعي إلي فهم بيئة أعمال المؤسسة من أجل تحليل الديناميكية الاقتصادية، ويهدف أيضا إلي تحقيق الأهداف التالية :
• الكشف عن أوضاع سوق تنافسية الأقل أمثلية من حيث الرعاية الاجتماعية، والبحث عن الآليات التي نميز من خلالها بين الأسواق الأكثر مثالية. على سبيل المثال نسعى إلي فهم لماذا تقوم بعض الشركات في اعتماد إستراتيجية لمكافحة سلوك المنافسة من الشركات الأخرى، وكذا الآثار المترتبة على القرارات الإستراتيجية بناء علي هيكل السوق.
• فهم التغيرات الكبرى داخل القطاع الصناعي".
وبشكل أكثر تحديدا فإن الاقتصاد الصناعي يسعي إلي تحديد السبب الذي يجعل الشركات تدخل وتخرج من السوق، وكذا كيف تستطيع بعض الشركات البقاء والاستمرار في السوق، وكذلك لماذا تقرر الشركات الابتكار أم لا ، وما هي النتائج المترتبة على هذه القرارات بخصوص تطور الصناعة التي تنتمي إليها.
ثانيا:الجذور التاريخية للاقتصاد الصناعي
1- أصول الاقتصاد الصناعي عند مارشال
يعتبر عموما ألفريد مارشال كأب الاقتصاد الصناعي، بدأت كتاباته في نفس الفترة التي بدأت الصــــناعة الحديثة تتأسس في إنجلترا عام 1879، ألف مع زوجته كتابا اسمه الاقتصاد الصناعي.تعرض فيه لتحليل سلوكات المؤسسة و شرح تطور هياكل الأسواق في الأمـد البعيد .
و في كتابه مبادئ الاقتصاد سنة1890،نفى مارشال قانون تناقص الغلة في المجال الصنـــاعي،الــذي تحدث عنه "ريكــاردو"في المجال الزراعي،و فسر مبدأ الأفضـــلية في سيطرة مؤسسـات على أخرى، عن طريق قانون الغلة المتزايدة غير المحـدودة، الذي يمكن فهمه من خلال الاقتصاديات الداخلية وكذا الخارجية، و الوصول بهيكل الصناعة أخيرا إلى حالة الاحتــكار، و هذا هو التناقض الذي وقع فيه مارشال.
2- تطور الاقتصاد الصناعي الأمريكي
كان الهـدف الأساسي للساسة الامريكيين جعل الاقتصاد الأمريكي اقتصادا مفتوحا،الامر الذي انتج رأسمالية شرسة أدت إلى كـبر المؤسسـات و ضخامتها،مما جعل جلها محتكرة خصوصا في المجالات الحساسة ،كالحديد و البترول،مما أثار انقاشا حادا حول نقطتين: هل من المعقول ترك المجال مفتوحا أمام حركة التركز التي تدعو إلى أن البقاء يكون للأكثر فاعلية.؟أو العكس ،يجب وضع قواعد للحفاظ على تنافسية الأسواق..؟، و تفادي هيمنة الاحتكـار (تدخل الدولة) ، وقد كان الاختيار الثاني هو المفروض من خلال التصويت سنة1890 على قانون شارمان ضد التكتلات، و انطلاقا من هذا القانون ظهرت مجموعة دراسات ميدانية حول فعالية المؤسسات و الأسواق،و حول طبيعة القوانين و القواعد التي يجب وضعها من طرف الدولة ، وقد توصل ماسون سنة 1938،لنتيجة مفادها: انطلاقا من دراسة هيكل الصناعة يتم تشخيص اداء المؤسسات الاقتصادية ومقـارنة أدائها مع ما يجب أن يكون ،و بعدها تأتي قوانين السوق من أجل تحسين أداء المؤسسات.
3- الظهور المتأخر للاقتصاد الصناعي في فرنسا سنة 1970
تطرق العديد من الباحثين في فرنسا للاقتصاد الصناعي،لكن العمل الوحيد الذي يذكر في هذا المجال هو كتاب "Jaques Hossiause" وتحدث فيه عن قوى الأسواق.و انطلاقا منه تعددت الأعمال الميدانية التي اهتمت بدراسة الهياكل الصناعية الفرنسية،حيث دمج الاقتصاد الصناعي في البرامج الجامعية لينتشر أكثر في فترة الثمانينات بمرسوم الاقتصاد الصناعي معترفا به كتخصص المستقل.
5- الاقتصاد الصناعي الجديد
منذ منتصف السبعينات ظهرت في الو م مقــاربة نظرية جـديدة مختلفة تمـاما عن منهــج (هيكل،سلوك،أداء) للأسباب التالية:
سن قوانين ضد التكتلات تحت اسم الليبرالية يعكس التطور النظري و العملي لمخطط (هيكل ،سلوك ،أداء)،و ظهرت مفاهيم عملية جديدة ،فظهور الأسواق غير المستقرة،اقتصاديات الصفقات و العقود، اقتصاديات الوفرة، نظرية الوكالة، تطور نظرية الألعاب...،و هكذا يظهر تدريجيا الاقتصاد الصناعي الجديد أكثر عالمية،يعني انتقل الاهتمام بالمؤسسة بأن فعالية المؤسسة أوعدمها راجع لأدائها،و ليس للعلاقة السببية (هيكل ،سلوك ،أداء ).
6- الاقتصاد الصناعي اليوم
الاقتصاد الصناعي اليوم يبحث عادة في إثبات التعارض بين الاقتصاد الصناعي الحديث والقديم، لكن الحقيقة ان المدخل العام لم يتغير، فالاقتصاد الصناعي دائما يهدف إلى رفض نموذج المنافسة التامة،و تأكيد فعالية الأسواق و المنظمات مقارنة بالمنافسين،بالتالي يمكن تعريف الاقتصاد الصناعي كتشخيص لكيف يمكن للمؤسسة أن تحتل مكانة بالنسبة لمجمل الأسواق في نفس الدولة أو خارجها،و يتم تشخيص المسار الوظيفي الديناميكي لهذه الأسواق(المنافسة و الاتفـاق التواطئي ،إستراتيجية الإنتاج) انطلاقا من الدولة ،فالاقتصاد الصناعي يهدف إلى تحديد نوع التدخل الذي يجب وضعه لحماية مصالح الأفراد.
ثالثا:اسلوب التحليل في الاقتصاد الصناعي
تعددت مقاربات التحليل للاقتصاد الصناعي بتعدد الرؤى غير أن المنطلق يبقى واحد ،حيث انطلقت كل التحليلات من عدم فاعلية و عملية المنافسة التامة.
1- التحليل المعارض للنظرية الاقتصادية الجزئية
وفقا لـ (2004،Levet ) الاقتصاد الصناعي تطور وفقا للنظرية الاقتصادية الجزئية،كتيار لتحليل الاقتصاد السائد خلال النصف الثاني من لقرن التاسع عشر،وبداية القرن العشرين.
في الواقع فإن النظرية النيو كلاسيكية الفالاريسية للسوق تقوم على افتراض محض هو أن المنافسة الكاملة التي تسمح بالحصول على توازن متزامن في آن واحد لثلاث أسواق (سوق السلع و الخدمات،و سوق العمل ،و سوق.رأس المال.)فهو يعمل على تحقيق أقصى قدر ممكن من الرفاهية العامة، لكن في المقابل هناك هياكل احتكارية في هذا النهج.
الاقتصاديون الصناعيون بذلوا الكثير لدراسة الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها السوق،بل و كيف تتصرف في الواقع، لأن الفرضيات المذكورة لا يمكن تحقيقها عمليا، و حاول Gaffardرفع الفرضيات التي يمكن أن تعكس على نحو أفضل للواقع الاقتصادي،و التشكيك في هذه النظرة الساذجة للمثالية المفرطة.
2- التيار الناجم عن أعمال مارشال(1879/1890)
أعمال مارشال التي صيغت نظرية الاحتكار ،ينص على أن المؤسسة الاحتكارية تلبي الطلب للحصول على ربح و استغلال القوة السوقية أكثر من الوضعية التنافسية، المتطرفين من سوق المنافسة التامة و الاحتكار المطلق غير فعالة في وصف تنوع السلوك التنافسي للمؤسسات(تمايز المنتجات، الإغراق ،الإعلانات).النهج الجديد أتى لاختصار الهياكل السوقية المتنوعة في الحالات الوسطية للسوق يبدو أن هناك على الأقل انحراف واحد أو عدة انحرافات للمنافسة التامة أو الاحتكار التام
نظرية المنافسة و المنافسة الاحتكارية أقترح عن طريق(Chamberlin،1933) ،أما نظرية أسواق احتكار القلة ،فكانت عن طريق أعمال (1838،Cournot) و ( Bertrand،1883 ).إذن انطلاقا من هنا هناك أربعة هياكل للصناعة؛المنافسة التامة ،المنافسة الاحتكارية،احتكار القلة،الاحتكار المطلق.
3- التيار الحالي للمدرسة النمساوية
هذا التيار له طابع قطاعي،طور نظرة أكثر ديناميكية ،فبالنسبة ل: (1942 ـ Shumpeter،1928 ) و الاقتصاديين النمساويين ،المحتكر يحصل على أرباح مرتفعة ، نتيجة للجهود المستمرة في تطوير البحوث،او عن طريق الحماية ( خصوصية المنتج)،غير أن هذا الربح يمكن أن يدوم فترة قصيرة ،و الواقع أن وجود ربح فوق العادي يؤدي بالشركات الأخرى إلى التقليد ،مما يؤدي إلى نقص في الأرباح الاحتكارية.
من رواد المدرسة النمساوية فون ميس و فون هايك ـ حسبهم ـ الربح ليس مؤشرا لإمكانية وجود قوة احتكارية،بل هو سمة مكملة للتنافس،و يعارضان بشدة التدخل الحكومي في الصناعة إلا في حالات محدودة.
يتبع